دروس تحالف « البام » والبيجيدي » بمجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة

سليمان الخشين

يقال إن السياسة هي « فن الممكن » ولكن الذي حدث في طنجة يومه الإثنين 28 أكتوبر 2019، كان يمكن أن ينظر إليه خلال سنة 2015 أثناء تشكيل مكتب مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، بأنه يندرج ضمن « أفلام الخيال العلمي ». ولكننا اليوم وبدون مقدمات أو إرهاصات وجدنا « البام » يتحالف مع « البيجيدي » لتسيير هذه الجهة.

بل تجسد هذا التحالف حينما راينا إلياس العمري (الرئيس المستقيل) يجلس جنبا إلى جنب عمدة مدينة طنجة البشير العبدلاوي، يدعمان معا هذا التحالف لتؤول الرئاسة إلى فاطمة الحساني عن البام وتعطى النيابة الأولى لسعيد خيرون عن البيجيدي (الذي سحب ترشيحه قبل انطلاق عملية الانتخاب من السباق نحو منصب الرئاسة).

فما الذي حدث حتى أصبح أعداء الأمس، أصدقاء اليوم؟
يقول ونستون تشرشل: « في السياسة ليس هناك أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، ولكن هناك مصالح دائمة »، كما أن علم السياسة يخبرنا بأنه ليست هناك وحدة سياسية جامدة وغير قابلة للتغير، فلا بد لهذه الوحدة من أن تعيد صناعة ذاتها تحت تأثير التناقضات القائمة في الجسم المجتمعي الذي تدب فيه الحياة دون توقف.

فمهما بلغت درجة استقرار المجتمع السياسي، فلا بد أن يتعرض إلى خضات تؤدي إلى تحولات في داخله. كما أن كل تنظيم سياسي يسعى دائما إلى دفع الأخطار الخارجية الناشئة عن مطامع التنظيمات السياسية الأخرى.

نهاية رجل شجاع

نستنتج من هذه المقدمة بأن « البام » لم يعد ذلك التنظيم السياسي الذي يزاحم « البيجيدي » لتصدر المشهد السياسي، لقد كان وقع فشل « البام » في تصدر انتخابات 2016 كارثيا على قيادته، ومما زاد الطين بلة تأجج حراك الريف عشية سقوط قائد « الأصالة والمعاصرة » ذو الأصول الريفية في هذا الامتحان، والذي منح عشيرته الكثير من الأماني والآمال عن غذ مشرق ومستقبل باهر.

لذلك يمكن القول بأن مكر التاريخ كان حاضرا حينما تولت « فاطمة الحساني » رئاسة الجهة، خلال نفس اليوم الذي يخلد فيه أهل الريف الذكرى الثالثة لمقتل الشهيد محسن فكري.

لقد كان درس 2016 بليغا للذين راهنوا على إلياس العمري لهزم الإسلاميين، لذلك كان لا بد من إعادة ترتيب الأوراق، بعد أن أضحى هذا الأخير ورقة « محروقة » لا يمكن المراهنة عليها مرة أخرى. وكان لا بد له أن يتراجع إلى الخلف ليفسح المجال لقيادات سياسية جديدة طامحة لتلعب هذا الدور.

والتقط « إلياس » الإشارات » بذكاءه الفطري، فقدم استقالته من رئاسة الحزب، الذي تركه عرضة للفوضى والتشتت ما بين « أنصار الشرعية »، و »تيار المستقبل ». ويشاء مكر التاريخ مرة أخرى ليرغم رئيس الحزب « الشرعي » (حكيم بنشماس) على التوقيع على تزكية سيدة تعتبر محسوبة على التيار المنافس له.

ثم سيلتقط « إلياس » الإشارات مرة أخرى ليبادر إلى تقديم استقالته من رئاسة جهة طنجة تطوان الحسيمة مودعا جميع المناصب التي كانت تربطه بالسياسة، ليشهد بنفسه على آخر فصول مسرحيته السياسية ما بين الصعود السريع والهبوط المدوي بتصويته الشخصي على انتخاب خلفه في هذا المنصب (فاطمة الحساني). فالرجل لم يعد يريد سوى الخروج الآمن من هذا المشهد، بعد أن اتحدت كل الظروف ضده.

البيجيدي من سياسة المبادئ إلى سياسة الغنائم

بالنسبة لحزب العدالة والتنمية لم يعد يحول بينه وبين التحالف مع « البام » ذلك العائق النفسي تجاه رجل كان ينعته رئيسهم السابق ب « الباندي »، ولم يعد حزب الأصالة والمعاصرة بالحزب الذي يهدد مصالحه أو الذي يسعى ليحل محله في انتخابات 2021، بل إن سفينة ما زالت تبحر في عباب متلاطم الأمواج، ولا أحد يدري هل ستتمكن هذه السفينة من الرسو بدورها على مرسى آمن، أم أن القدر يخبئ لها شيئا آخر. وما دام حزب العدالة والتنمية قد رضخ للسياسة الواقعية وتحالف مع غريمه السياسي الجديد « التجمع الأحرار » فما الذي يمنع من مد اليد إلى خصم الأمس؟ !!! لقد تخلى « البيجيدي » منذ مدة عن طهرانيته، لقد تخلى عن سياسة « المبادئ » وانغمس في مدرسة السياسة الواقعية التي دعا إليها ميكيافيلي بقوله « الغاية تبرر الوسيلة ». ونفذوا نصيحته بالحرف حينما قال: « إن السياسيين يقفون دائما بجانب من يتوقعون نصره، ليصيبهم سهم من الغنيمة… فلا يوجد خير مطلق ولا يوجد شر مطلق، بل الأمور عندهم نسبية ومتغيرة ».

مجلس بدون معارضة، ومسؤولية بدون محاسبة

ما يمكن استنتاجه أيضا من هذا التوافق بين جميع الأحزاب السياسية على اقتسام « الكعكة الجهوية » أنه لم يعد هناك أي مجال لمحاسبة سياسية للفترة السابقة، بعد أن أفرغ المجلس برمته من المعارضة التي بإمكانها طلب تقصي الحقائق عن ملفات قيل إن بها شبهة « فساد » من طرف بعض المنابر الإعلامية الورقية. ولكن مما لا شك فيه أن الهيكلة الإدارية التي صاغها « إلياس » على مقاسه سيطالها العديد من التغييرات بدءا من وكالة تنفيذ المشاريع، وانتهاء بأعضاء الديوان. فسبحان من البقاء والدوام.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *