دعم الفلاحة أم دعم الكبار؟.. أموال الدعم لا تصل إلى حقول الصغار

هاشتاغ _ يوسف بوحبيني

بينما تعلن الحكومة عن برامج دعم الفلاحة وتخصص أموالًا طائلة لتحفيز القطاع الفلاحي، يجد الفلاحون الصغار أنفسهم خارج دائرة الاستفادة، وسط ارتفاع حاد في أسعار المدخلات الفلاحية واحتكار كبار المزارعين للدعم.

هذا التناقض بين وعود الحكومة وواقع السوق جعل الفلاحين الصغار يواجهون صعوبات متزايدة في تمويل أنشطتهم الزراعية، في وقت تبدو فيه أموال الدعم وكأنها تخدم مصالح الكبار فقط، تاركة الحقول الصغرى تعاني تحت وطأة الجفاف وارتفاع التكاليف.

مع بداية الموسم الفلاحي، يعيش الفلاحون الصغار حالة من الترقب المشوب بالقلق نتيجة تأخر أمطار الخريف التي كان يُنتظر أن تنعش الأراضي الزراعية المتضررة من سنوات الجفاف، إذ أن التربة الصلبة في العديد من المناطق حالت دون انطلاق عمليات الحرث وزرع الحبوب، وهو ما زاد من معاناة الفلاحين الذين يواجهون تحديات مالية حادة بسبب الارتفاع غير المسبوق في أسعار البذور والأسمدة.

فعلى سبيل المثال، قفز سعر بذور الشعير إلى 600 درهم للقنطار مقارنة بـ200-250 درهم في المواسم المطيرة، كما بلغ سعر بذور القمح الطري 4.50 دراهم للكيلوغرام، وهو ما يناقض تمامًا الأسعار “المدعمة” التي تروج لها الحكومة.

الفلاحون يؤكدون أن الدعم الحكومي يبقى حكرًا على فئة قليلة من كبار المزارعين، الذين يستفيدون عبر شبكات نفوذ واحتكار تجعل البذور المدعمة والأسمدة الجيدة بعيدة عن متناول صغار الفلاحين.

وفي الوقت الذي تنفد فيه الكميات المدعمة بسرعة من مراكز التوزيع الرسمية، لا يجد المزارعون الصغار سوى الأنواع الرديئة من البذور بأسعار مرتفعة، مما يضعهم في موقف اقتصادي لا يُحسدون عليه، حيث أن هذه الوضعية تدفع العديد منهم إلى تقليص المساحات المزروعة أو تأجيل عملية الزرع كليًا، على أمل تحسن الظروف.

إلى جانب أزمة البذور، تتفاقم معاناة مربي الماشية بسبب الزيادات الحادة في أسعار الأعلاف، إذ بلغ سعر كومة التبن 55 درهمًا، بينما تراوح سعر الفصة المكومة بين 80 و100 درهم للبالة.

هذه الزيادات تؤثر بشكل مباشر على قدرة الفلاحين على تمويل العمليات الزراعية التي تعتمد على مبيعات الماشية، والتي تراجعت بدورها نتيجة انخفاض أعداد القطيع بسبب الجفاف المتكرر.

وفي ظل هذه التحديات، يشتكي الفلاحون الصغار أيضًا من غياب مكاتب الإرشاد الفلاحي، التي يُفترض أن تقدم الدعم الفني وتساعد الفلاحين على تجاوز هذه الأزمات. غياب هذه المكاتب عن الميدان يزيد من عزلتهم ويتركهم في مواجهة مباشرة مع ارتفاع التكاليف والظروف المناخية القاسية.

من جهة أخرى، تصر الجهات الرسمية على أن الوضع لا يدعو للقلق، وتؤكد أنها اتخذت تدابير لضمان انطلاقة الموسم الفلاحي، حيث أعلنت الوزارة الوصية عن توفير 1.26 مليون قنطار من البذور المعتمدة بأسعار مدعمة، بالإضافة إلى برامج للتأمين الفلاحي والزرع المباشر الذي يستهدف توسيع المساحات المزروعة. كما تم الالتزام بتوفير الأسمدة بأسعار العام الماضي لتخفيف الضغط عن المزارعين.

لكن هذه التطمينات لم تُقنع الفلاحين الصغار الذين يرون في هذه التدابير مجرد وعود بعيدة عن الواقع. فبينما تتحدث الحكومة عن دعم القطاع الزراعي، يواجه الفلاحون الصغار واقعًا مريرًا تهيمن عليه أزمة الجفاف، ارتفاع التكاليف، وغياب العدالة في توزيع الدعم. في ظل هذا الوضع، يبقى السؤال الكبير: هل تهدف سياسات الدعم فعلاً إلى إنقاذ المزارعين الصغار أم أنها تصب في مصلحة الكبار فقط؟.