سليمان الخشين يكتب: بعد الخروج من الحكومة حزب التقدم والاشتراكية في مفترق الطرق

**سليمان الخشين

خروج التقدم والاشتراكية من الحكومة أثار الكثير من اللغط السياسي، سواء من طرف المحسوبين على تيار اليسار، حيث اعتبرت نبيلة منيب، أنه قد حان الوقت لجمع شمل اليسار، والتكتل من أجل مواجهة قوى الظلام، والأحزاب الإدارية. بينما البراهمة اعتبر أن التقدم والاشتراكية لو قبل البقاء في الحكومة فإن ذلك سيزيده ضعفا. أما خروجه منها فيعني نهايته، وتوجهه نحو الاندثار.

مما لا شك فيه أن نبيل بنعبد الله دفع ثمن اصطفافه إلى جانب حليف لا يتقاسم معه أية مرجعية، خاصة من الناحية الإيديولوجية، راهن بنعبد الله كثيرا على بنكيران، واعتبره حصان طروادة الذي سيزيد من شعبية الحزب الشيوعي السابق، وسيضمن له حقائب وزارية وازنة.

هذا الرهان أعطى أكله في البداية، وحصل التقدم والاشتراكية على 3 مقاعد وزارية لا تتناسب مع ما حصل عليه من مقاعد داخل مجلس النواب (9)، ولكن السياسة هي بحر عميق من المتغيرات، فكما عصفت رياح البلوكاج الحكومي بعبد الإله بنكيران، الذي سيتفرغ لتوجيه الضربات بين الفينة والأخرى لغريمه سعد الدين العثماني، (الذي يصفه دوما باللطيف الذي لا يملك الأنياب والمخالف لموجهة الديناصورات)، ستعصف « أزمة الريف » بنبيل بنعبد الله والحسين الوردي، ثم بعد ذلك ستجد شرفات أفيلال نفسها خارج حسابات الوزير البجداوي اعمارة.

ربما تصريحاته بأن كرامة التقدم والاشتراكية أثناء ولاية بنكيران كانت محفوظة، وبعدها استبيحت أثناء ولاية العثماني، قد كلفها الخروج من كتابة الدولة في الماء من الباب الخلفي وبدون أي تعليل « للقرار الحكومي ». فسبحان من له الدوام. الذي يقامر قد يربح مرة واحدة، ولكن لا شك أن خسارته ستكون فادحة في النهاية.

الآن التقدم والاشتراكية في مفترق الطرق، هل ستأتيه الجرأة ليعود مرة أخرى للاصطفاف إلى جانب اليسار، بعد نسي دروس: ديكتاتورية البروليتاريا، وتحالف قوى الشعب العاملة، والمادية التاريخية والمادية الجدلية كمناهج للتحليل، والاشتراكية العلمية، وربما أضاعوا الطريق حتى نحو الاشتراكية الديمقراطية، بعدما اصطفوا مع يمين محافظ يؤمن بأسلمة المجتمع والدولة قبل إقامة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة.

فما هي القواسم المشتركة ما بين هذين المشروعين مشروع حداثي تقدمي، ومشروع رجعي ماضوي يمارس التقية ليصل إلى أهدافه. وما الذي يمكن أن يربط تحالفا يجمع عملاقا سياسيا، مع حزب يحاول جاهدا أن يجمع فريقا بالبرلمان؟ لا بد أن هذا التحالف لا علاقة بتاتا لا بالمشروع السياسي ولا بالأهداف المسطرة لكلا الحزبين.

ربما يكون تحالفا مبنيا على مصالح مشتركة ما بين بنكيران وبنعبد الله، (ما دام أن السياسة في جميع بقاع العالم وليس في المغرب مبنية على منطق « اعطيني نعطيك ». والتاريخ هو الذي سيكشف لنا نوعية المصلحة المشتركة، وعن مهندسي هذا التحالف من خارج الحزبين.
قلت بأن التقدم والاشتراكية في مفترق الطرق.

هل يستطيع أن يلملم جراحه، ويعيد بوصلته من « مكة إلى موسكو » (مجازا)؟ هل اليسار المغربي يمكن أن يمد يده للتعاون مع هيئة مرة تتماهى مع « المخزن » ومرة تتماهى مع « الإسلام الحركي »؟ ربما السياسة هي « فن الممكن » ولكن هل يمكن للتقدم والاشتراكية أن مثلا أن ينادي بالمطالب التي ينادي بها حاليا الحزب الاشتراكي الموحد (ملكية برلمانية، تحديث الدولة والمجتمع، الحريات الفردية، العدالة الاجتماعية…).

يبدو أن الفقرة الأخيرة من بيان الانسحاب من الحكومة الذي صاغه الماركسيون القدامى تشرح هذه الحالة من التخبط الذي يعيشه الحزب حاليا، والتردد الواضح في اتخاذ موقف واضح في مرحلته القادمة، تلمس منه حنينا إلى مرحلة بنكيران (التي قالت عنها شرفات أفيلال بأنها المرحلة التي كان يحفظ فيها للحزب كرامته) من حيث وصف الحكومة الحالية التي يرأسها العثماني التي تفتقد إلى أي « نفس سياسي حقيقي يمكن من قيادة المرحلة والتعاطي الفعال مع الملفات والقضايا المطروحة » وأنه سيصطف مع كل القوى الديمقراطية الجادة (مما لا شك فيه أنه يعتبر العدالة والتنمية ضمن هذه القوى) ثم يضيف بأنه سيسعى إلى « الإسهام في النهوض بدور وموقع ومهام اليسار ببلادنا »،.

ولكنه لا ينسى في النهاية بأنه في جميع هذه الاصطفافات سيبقى معبئا وراء صاحب الجلالة (طبعا في جميع السياسات التي سيقررها) التقدم والاشتراكية يبدو تائها ما بين الإسلاميين والمخزن واليسار، عليه أن يختار الاصطفاف مع قوى الشعب العاملة أو مع أصحاب الشكارة الذين يضمنون المقاعد الانتخابية، أو مع القوى السياسية التي كانت تضمن لهم إلى عهد قريب مقاعد مريحة في الحكومة. حزب التقدم والاشتراكية في مفترق الطرق وعليه أن يختار أيها سيسلك.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *