سيناريوهات مشروع قانون 22.20 « قراءة دستورية-قانونية-حقوقية »

البشير الحداد الكبير يكتب: سيناريوهات مشروع قانون 22.20 قراءة دستورية-قانونية-حقوقية »

شكلت سنة 2011، سنة استثناء بكل المقاييس، أفرزت لنا دستورا جديدا(1)،جاء بمعطيات وبمستجدات لم تكن في الدساتير المتعاقبة في المغرب منذ 1962 إلى 1996،والمعروف على هذا الدستور الجديد، أنه دستور الحقوق والحريات،بحيث وسع منها بشكل واسع،ومنح كذلك مكانة مهمة للمعارضة.

في ظل حالة الطوارئ الصحية التي اتخذتها الحكومة المغربية،تم تسريب جزء من مقتضيات مشروع قانون 22.20 المتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي، سنحاول من خلال هذا المقال الإحاطة بجميع جوانب هذا المشروع قانون من خلال مقارنته مع الوثيقة الدستورية ومع القوانين الأخرى، لتناول هذا الموضوع، فقد اعتمدنا التقسيم التالي :

المبحث الأول: قراءة دستورية وقانونية
سنعمل من خلال هذه القراءة على تحليل دستور 2011 خصوصا الشق المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية، ثم الشق المتعلق بالسلطة التنفيذية، والمقارنة مع المشروع قانون 22.20.

بالرجوع للباب الثاني من الدستور المعنون ب »الحريات والحقوق الأساسية »،نجد أنه تم التوسيع من دائرة الحريات والحقوق، إلا أن مشروع قانون 22.20 ضرب بعض الحقوق المحصنة دستوريا عرض الحائط، فبقراءة للفصل 25 من الدستور، نجد أن حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها، وبالرجوع للفصل 28 نجد أن حرية الصحافة مضمونة ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، لكن مع هذا المشروع قانون الجديد ستصبح حرية التعبير والإنتقاد للشركات منعدمة، كما أن الرقابة القبلية للصحافة ستطبق، خصوصا في هذا الشق، بل أكثر من ذلك إذا ما عدنا للفصل 23 وبالضبط في الفقرة الأولى، نجد أنه لا يجوز إلقاء القبض أو إعتقال أو متابعة أو إدانة أي شخص إلا في الحالات التي يقرها القانون، وهنا السؤال إذا ما تمت المصادقة على هذا المشروع قانون بصيغته الحالية،سيصبح من حق السلطات إعتقال ومتابعة الشخص وإدانته بتهمة إنتقاد منتوج شركة معينة.

منذ تسريب هذا المشروع، والكل يحاول تبريئ نفسه منه، لذا في إطار الموضوعية، سنحاول تبسيط الأمور فيما يخص السلطة التنفيذية حتى يتسنى للجميع معرفة كيفية اشتغالها ومماذا تتكون ومن صادق على مشروع قانون 22.20.

بالرجوع للدستور الجديد،وبالضبط في الباب الخامس، نجد السلطة التنفيذية،فهذه الأخيرة تتكون من رئيس الحكومة والوزراء ويمكن أن تضم كتابا للدولة(2)،وبالرجوع للفصل 89 من الدستور نجد أن الحكومة تمارس السلطة التنفيذية وتعمل على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين تحت سلطة رئيسها، فالدستور الجديد ارتقى بالوزير الأول إلى رئيس الحكومة، وعليه أصبح يملك سلطة رئاسية على كافة الوزراء بدون إستثناء،وتمارس هذه السلطة التنفيذية وفق مبادئ المسؤولية والتفويض والتنسيق والتتبع والمواكبة والتقييم والتضامن الحكومي والتكامل في المبادرة(3)،ويحدد رئيس الحكومة مهام كل عضو من أعضائها وإختصاصاته والهياكل الإدارية التي يتولى السلطة عليها(4)، ويشرف رئيس الحكومة على تنظيم أشغال الحكومة ويرأس مجلسها ويسهر على تنسيق وتوجيه أعمالها وتتبع أنشطة أعضاءها ومواكبة عمل مختلف السلطات الحكومية والإدارات العمومية والمقاولات العمومية التابعة لها وسائر أشخاص القانون العام الموضوعة تحت وصاية الحكومة، كما له أن يصدر توجيهاته إلى السلطات والمؤسسات المذكورة(5)،وبالتالي نلاحظ أن لرئيس الحكومة دورا محوريا داخل الحكومة، وبالتالي فمشروع قانون 22.20 هو المسؤول الأول عنه، وبالرجوع للوثيقة الدستورية وبالضبط في الفصل 93 نجد أن الوزراء ملزمون بتنفيذ السياسات الحكومية في القطاعات المكلفين بها في إطار التضامن الحكومي ويقومون بإطلاع مجلس الحكومة على أداء المهام المسندة إليهم من قبل رئيس الحكومة(6).

والسؤال المطروح لماذا المشروع القانون 22.20 تم تسريبه ولم يتم الإعلان عنه، فهو كباقي مشاريع القوانين، يختص بها المجلس الحكومي، تماشيا مع الفصل 92، الذي يرأسه رئيس الحكومة، ويمر بجميع المراحل التي تمر منها مشاريع القوانين(العادية والتنظيمية)، وعليه سنحاول أولا التذكير بالمسار الذي تقطعه مشاريع القوانين في المجلس الحكومي، وكذلك لتحديد من يتحمل المسؤولية عن هذا المشروع قانون، فكما هو معلوم أن الأمين العام للحكومة قبل إنعقاد مجلس الحكومة يتولى توزيع مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية والمعاهدات والإتفاقيات الدولية المعروضة على مسطرة المصادقة أو الإنضمام إليها على أعضاء الحكومة، داخل أجل يحدد بنص تنظيمي، قبل عرضها على مجلس الحكومة للتداول في شأنها(7)، ومجلس الحكومة يعقد إجتماعاته مرة في الأسبوع على الأقل(8)، وعليه يعد الأمين العام للحكومة جدول أعمال المجلس ويعرضه على رئيس الحكومة للموافقة عليه قبل توزيعه على أعضاء الحكومة(9)، وبالتالي فرئيس الحكومة كان على علم منذ البداية بمشروع قانون 22.20 أولا بموجب الفصل 93 من الدستور ثم ثانيا حسب القانون التنظيمي 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، فهو كما نلاحظ أنه هو الذي يصادق على جدول أعمال المجلس الحكومي الذي يعده الأمين العام للحكومة قبل توزيعه على الوزراء، بعد ذلك تأتي مرحلة الإنعقاد والفصل 92 من الدستور حدد القضايا التي يتم التداول فيها في المجلس الحكومي، من بينها مشاريع القوانين، وكملاحظة يمكن التداول في أي قضية أخرى خارجة عن جدول أعمال المجلس بمبادرة من رئيس الحكومة أو بطلب من أعضاء الحكومة حسب المادة 15 من القانون التنظيمي 065.13.

بعد الإنتهاء من أشغال المجلس الحكومي، يعد الأمين العام للحكومة بيانا مفصلا عن مداولات المجلس، يبلغ ملخصا عنه إلى جميع أعضاء الحكومة وتقدم الحكومة (الناطق الرسمي بإسمها) بيانا عن أشغال المجلس الحكومي إلى وسائل الإعلام، وأعضاء الحكومة ملزمون بواجب التحفظ بشأن مداولات المجلس(10)،ثم يرفع رئيس الحكومة فور إنتهاء المجلس تقريرا إلى علم الملك يتضمن خلاصات مداولات مجلس الحكومة(11)،تفعيلا للفقرة الأخيرة من الفصل 92 من الدستور.

بعدها ترفق مشاريع القوانين (العادية والتنظيمية) عند الضرورة بدراسة حول آثارها تفعيلا للمادة 19 من القانون التنظيمي السالف الذكر، وتودع مشاريع القوانين(12)،حسب الكيفية المنصوص عليها في الفصل 78 من الدستور، ثم تتم مشاركة أعضاء الحكومة في أشغال البرلمان (13) تفعيلا للفصلين 67 و82 من الدستور، ويجب أن يعبروا عن موقف الحكومة وأن يكون هذا التعبير مطابقا للقرارات التي تتخذها من قبلها، والسؤال هنا كيف أن الحكومة صادقت على مشروع قانون 22.20 وفي البرلمان ستعبر عن تشبثها بموقفها بعد معارضة الأحزاب وغالبية الشعب؟ بل أكثر من ذلك لاحظنا أن حتى الأحزاب التي هي في الحكومة وصادقت على مشروع قانون 22.20 أصدرت بيانا مضادا لهذا المشروع قانون وتتبرأ منه، فكيف يفسر هذا؟
وبالتالي بعد هذه القراءة الدستورية، القانونية،الحقوقية، نلاحظ أن الحكومة من خلال مشروع قانون 22.20 لم تحترم الدستور خصوصا الباب المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية،كما أنها لم تحترم الضوابط المسطرية المنصوص عليها في القانون التنظيمي 065.13،فهذا المشروع قانون تم تسريبه،مع العلم أن القانون التنظيمي السالف الذكر يلزم الحكومة بعد إنتهاء أشغال كل مجلس حكومي، تقديم بيان عن الأشغال إلى وسائل الإعلام.
المبحث الثاني:دور المعارضة في مشروع قانون 22.20
منذ تسريب مشروع قانون 22.20، تفاعلت أحزاب المعارضة معه، وأصدرت بيانات تعبر عن عدم رضاها بهذا المشروع.
منح دستور 2011 مكانة مهمة للمعارضة، على اعتبار أن الأنظمة الديمقراطية تتطلب قبول الأغلبية بآراء المعارضة، حيث أنه لأول مرة تمت دسترة المعارضة في الدستور المغربي، وتم التنصيص عليها في الفصل 10 وفي 60 و69،واعتبرها المشرع الدستوري مكونا أساسيا، ومن المهام التي أوكلها إليها:
+المشاركة في مسطرة التشريع عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي النواب والمستشارين؛
+المشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي عن طريق المساءلة واللجان البرلمانية.. ؛
+المساهمة في إقتراح المرشحين في إنتخاب أعضاء المحكمة الدستورية؛
+تمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية للبرلمان؛
+رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب؛
+وحسب الفصل 69 من الدستور، من حق المعارضة البرلمانية رئاسة لجنتين؛
+المساهمة الفاعلة في الديبلوماسية البرلمانية للدفاع عن القضايا العادلة للوطن والدفاع عن مصالحه الحيوية(14).
وبالتالي نلاحظ أنه تم تفعيل المعارضة، فالأحزاب عارضت بشدة مشروع قانون 22.20، وعبرت عن رأيها بكل حرية، وعليه فالمعارضة يمكنها أن تلجأ لوسيلتين دستوريتين:ملتمس الرقابة حسب الفصل 105 من دستور 2011، يمكن لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بالتصويت على ملتمس للرقابة يوقعه على الأقل خمس أعضاء هذا المجلس، ولا تصح الموافقة عليه إلا بتصويت الأغلبية المطلقة لمجلس النواب عليه.

ثم ملتمس المساءلة تماشيا مع الفصل 106 من الدستور، والذي يوقع من طرف خمس أعضاء مجلس المستشارين ولا تصح الموافقة عليه إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس المستشارين.
وفي حالة ما تمت إحالة مشروع قانون 22.20 كما هو إلى قبة البرلمان هناك آليات دستورية :
+الفصل 83،الذي يؤكد على حق مجلسي البرلمان والحكومة التعديل، وعليه يمكن تعديل هذا المشروع قانون في قبة البرلمان؛
+الفصل 95،للملك أن يطلب من كلا مجلسي البرلمان أن يقرأ قراءة جديدة في كل مشروع أو مقترح قانون، وتطلب هذه القراءة الجديدة بخطاب ولا يمكن رفضها؛
+الفصل 132،يمكن للملك وكذا لكل من رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي النواب والمستشارين، وخمس أعضاء مجلس النواب، وأربعين عضوا بمجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين أو الإتفاقيات الدولية،قبل إصدار الأمر بتنفيذها، أو قبل المصادقة عليها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور.
إن المطلوب من الحكومة وبالضبط من الأحزاب السياسية المكونين لها، سحب هذا المشروع قانون، وليس تأجليه،فحسب المادة 177 من النظام الأساسي لمجلس النواب، يمكن للحكومة سحب أي مشروع قانون في أي مرحلة من مراحل المسطرة قبل تمام الموافقة عليه من قبل مجلس النواب.
وحسب المادة 179 من النظام الأساسي لمجلس المستشارين، للحكومة أن تسترجع أو تسحب مشاريع القوانين المقدمة من طرفها متى شاءت وفي أي مرحلة من مراحل المناقشة، شريطة إتباع نفس مسطرة إيداعها، ما دامت تلك المشاريع لم تتم المصادقة عليها من قبل مجلس المستشارين في الجلسة العامة.

إن المطلوب سحب المشروع قانون نهائيا وليس تعديله أو تأجليه، لأن المشكل لا يكمن في الزمن، وإنما في الموضوع وفي الجوهر، فلا يمكن قمع حرية التعبير إرضاءا للشركات، ولا يمكن أن تصبح الدولة في ظل هذا المشروع قانون « دولة حارسة للشركات » لإرضاء المصالح الذاتية للبعض، المشكل في الأمر هو أنه يصعب لرجل الأعمال حينما يمارس السياسة أن يوفق بين المصلحة الذاتية والمصلحة الوطنية، فحتما سيهدف بالدرجة الأولى للمصلحة الذاتية، لهذا من الأرجح ترك السياسة للسياسيين ولأهل الإختصاص، ومجال الأعمال يصلح لرجال الأعمال، فهذا المشروع قانون تم توظيف السياسة لتحقيق المصالح الذاتية،وبهذا تم ضرب عرض الحائط الدستور والقوانين، وبالتالي يجب على الحكومة أن تكون حكومة وطنية لا تغلب المصلحة الذاتية على المصلحة الوطنية، فصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله دائما يؤكد على الوطنية الصادقة ويحث السياسيين بالتحلي بروح المواطنة والإبتعاد عن الإنتهازية، إذ قال جلالته أعزه الله في خطاب افتتاح البرلمان يوم الجمعة 12 أكتوبر 2018: ..فالمغرب يجب أن يكون بلدا للفرص، لا بلدا للانتهازيين…والواقع أن المغرب يحتاج، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين، وهمهم توحيد المغاربة بدل تفريقهم؛ وإلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات… ».

الهوامش:
1- ظهير شريف 1-11-91 الصادر بتنفيذ دستور 2011،بتاريخ 29 يوليوز 2011،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر،بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة: 3600.
2- الفصل 87 من دستور 2011.
3- انظر المادة 3 من القانون التنظيمي 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها(ظهير شريف 1.15.33 الصادر في 19 مارس 2015 بتنفيذ القانون التنظيمي 065.13،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6348،بتاريخ 2 أبريل 2015،الصفحة:3515.
4- المادة 4 من القانون التنظيمي السالف الذكر.
5- المادة 5 من القانون التنظيمي السالف الذكر.
6- المادة 9 من القانون التنظيمي السالف الذكر.
7- المادة 13 من القانون التنظيمي السالف الذكر.
8- المادة 14 من القانون التنظيمي السالف الذكر.
9- المادة 15 من القانون التنظيمي السالف الذكر.
10- المادة 16 من القانون التنظيمي السالف الذكر.
11- المادة 17 من القانون التنظيمي السالف الذكر.
12- المادة 21 من القانون التنظيمي السالف الذكر.
13- المادة 24 من القانون التنظيمي السالف الذكر.
14- سفيان تمسماني، « المعارضة البرلمانية على ضوء الدستور الجديد بالمغرب » ، موقع « Maroc droit » ، تاريخ التصفح الأربعاء 6 ماي 2020، على الساعة الثانية ونصف صباحا.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *