شهر في الجزائر (2)

ناذر فرح

ها نحن في « الدزاير« 

أول ما وطأت قدمايَا رصيف مطار (هواري بومدين) الجزائر العاصمة، اقشعر بدني حين خالجتني مشاعر تختلط بين لهفة اللقاء، لقاء العائلة وبين مشاعر حب استطلاع ورغبة في استكشاف نصف آخر لوحدة مغاربية حالت السياسة اللعينة دون لم الشمل.

هنا مطار الجزائر العاصمة، لا فرق بين المجتمع المغربي والجزائري إلا ما فرقته السياسة وما يُكتَب من أسماء وعناوين في لوحات الإرشاد، كِدت أجزم أني كنت نائماً وأن هذه الرحلة مجرد حلم عابرِ لولا وجودي في بوابة « المراقبة الأمنية الجمركية« ، مخاطبا إياي: « بونسوار موسيو، سويي بيان ڤوني…« ، حسبت أنه ظنني فرنسياً، لكن فيما بعد اكتشفت أن معظم الجزائريين يتقنون اللغة الفرنسية وهي لغتهم اليومية بنسبة كبيرة.

كما سبق أن ذكرت، الأوضاع الأمنية كانت مشددة بسبب الهجمات الإرهابية التي وجدت مرتعها في المغرب العربي، خاصة المغرب والجزائر وما رافق ذلك من رفع درجة الحذر الأمني إلى مستويات قياسية.

مددت جواز سفري لرجل الأمن والجمركي، تفحصاه جيدا قبل مبادرتهما بطرح بعض الأسئلة المعتادة، من أين أتيت؟، ما جنسيتك؟، رحلة عمل؟، سياحة؟، زيارة عائلية؟، وجهتك التالية…؟

فضلت أن أجيبهم بالدارجة المغربية، محاولاً استدراجهم للتحدث بالعربية، مبتسماً أجبت عن الأسئلة، كسبت ابتسامتهم هم كذلك « مرحبَا خويا، پروفيط طوا…« 

خرجت من بوابة التمحيص هاته، انتظرت حقيبتي بضع الوقت و خرجت من الباب الرئيسي مواجهاً المجهول، لا أعرف الوجوه التي ستكون في انتظاري، ولا هم يعرفونني جيداً، ببنما أبحث عن مخدع هاتفي لأجري الإتصال، تسَمَّرت عينايَا على مجموعة من أربع أشخاص، رجل أخذ منه الدهر ما حبَّ، امرأة تقاربه سناً وفيزيولوجياً، فتاة في مقتبل العمر بهندام محافظ، وشاب وسيم تسطع الأمازيغية من نظراته هو من كُلِّفَ بحمل ورقة إرشاد مكتوب عليها « nadir farah »، رغم الخطأ في كتابة الإسم، إلا أنني أدركت بما لا يحتاج الشك أنِّي المعنيُّ باللافتة.

اقتربت من الموكب بخطى خجولة تعلوها ابتسامة من أعماق قلب بات ليس لي ولا حكم لي عليه، قصدت الشاب الوسيم الذي لم يكن إلا ابن خالتي « يزة«  الذي غالباً ما كنا نتمازح عبر سماعة الهاتف الذي كنت أسرقه لأبي، اقتربت من أذنه اليسرى هامساً؛«  يا ودي يا الراجل يا ودي« ! عولنا عليك بكري تتلاقاني« ، حبس أنفاسه معانقا إياي وكلمات السلام والترحيب… فجأةً نطقت الفتاة ذات الهندام المحافظ « أرگاز أرگاز أيبَّا! » وهي ابنة خالتي (أرگاز= رجل بالقبايلية)، انتبه الكل فكانت فعلاً سلام هي حتى قدوم رجال الأمن والأمر بالخروج لدواعي أمنية…

خرجنا من محيط المطار، متجهين نحو السيارة وهم لم ينتهوا بعد من السؤال عن الحال والأحوال، توجه ابن خالتي إلى المقود وفجأة وجت نفسي مجبراً على الركوب في الكرسي الأمامي لدواعي « أخلاقية«  لم أعلمها حينها.

شغل المحرك وما إن خرج من موقف السيارات التابع للمطار حتى إنطلت الطريق بالحواجز الأمنية، رغم ذلك فإننا لم نتوقف إلا ناذراً، وصلنا إلى منزل الإقامة؛ منزل خليط بين العمران العربي والفرنكفوني، ما هو برياض ولا ڤيلاّ ولا شقة … لم أعرف ماذا يسمى إلا بعد مرور بضعة أيام، إنه « الدْشَارْ« .

دخلنا المنزل بعد الاستقبال والفرحة بقدوم الحفيد « نادر« ، عُمْت سهلاً و مرحباً.

الحقيقة التي لم أستطع اخفائها حينئذ هي أني أصبحت واحداً منهم لِتَوِه، رغم تظاهري أني « ضيف« ، لكن بساطتهم وتقارب ثقافاتنا وميولاتنا عززت من إندماجي السريع بين أفراد العائلة، فجأة صِرْتُ أتصرف كأني في بيتي طبعاً بمساعدة ابن خالتي.

بعد أن استحممت وغيرت ملابسي، حان وقت العشاء، الجد حاكم « الدشار«  يأمر وينهي… واش بيكم ثقال؟ ألي تحركو جيبو لعشا ولدي نادر جا مسافر وبَلاكْ يكون حاب ينام !!!

قليلا من « صْواب« ، الله أودي أحنيني ماعليش غييير بشوية مافياش النعاس، ما لاحظته هو اختلاف طفيف في الأكل أو بالأحرى في أسمائه، فوق الطاولة « طبسيل طاووس«  أَلِفناه مُهَرَّباً عبر وجدة مليء بما لذ وطاب، كلمة ترددت كثيراً ولم أعلم معناها إلى أن بدأ يُوزع، « المطلوع«  أووووه ماي گووود، إنه الخبز !!!

بعد يوم طويل ورحلة جوية دامت ساعتين ونصف، أي أقل بنص ساعة على الوقت المحدد للوصول لمغاربة خطاار، حتا فالجو وكيجريو مع الليل ماكاين لا رادارات لا والو والطريق خاوية، لا الجوع ولا التعب أخذا مني الشيء الكثير. عرگتها مزياااان، ما هُوشْ غير لبحر لي يجوع، حتى الجو راه يجوع.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *