عثمان العمراني يكتب : العمل الجمعوي أم الجمع المالي

عثمان العمراني

بلغ عدد الجمعيات المسجلة قانونيا بالمغرب إلى 200 ألف خلال السنة الفارطة (2020)، ولم يكن العدد يتجاوز 130 ألف خلال سنة 2018، أي أن ما مقداره 70 ألف جمعية ازدات خلال سنتين فقط، إذ يعكس هذا الوثيرة المتسارعة التي ينمو بها المجتمع المدني.
ويعد المجمع المدني جزء هام وأساسي في مكونات الدولة، ولا يمكن في أي حال من الأحوال الاستغناء عنه، إذ يلعب هذا الأخير دورا محوريا في تحقيق التنمية الشاملة عن طريق تكامله مع الدولة والقطاع الخاص كما يقع على عاتقه أيضا، اعداد وتأهيل الكوادر المختلفة لتحقيق ذلك. ويلعب كذلك الدور الرقابي ضمانا للمسائلة والشفافية وذلك عبر مجموعة من الوسائل القانونية التي يتيحها الدستور المغربي كالعرائض والملتمسات والاقتراحات، التي من شأنها أن تحدث تغييرا وتحسينا في سياسة الدولة وذلك في مختلف القطاعات، فيكون بذلك يلعب دور الوسيط بين الشعب والدولة.

ولكن بغض عما سبق، فإننا في هذا المقال بصدد توجيه أصابع الاتهام إلى المجتمع الدني، ليس غايتنا التقليل من شأنه وإنما التقويم من أجل بناء مجتمع مدني سليم.

لقد أصبحت الجمعيات بشتى أشكالها وتوجهاتها ومجالات عملها تعمل على تقديم المصالح الذاتية الصرفة على العمل أو الغاية التي أنشئت الجمعية من أجلها والمعلنة في قانونها الأساسي، مع أننا لست ضد الاستنفاع من العمل لأن أولئك العاملين هناك والقائمين على تنفيذ الأعمال داخل الجمعية طبعا يحتاجون إلى المال من أجل العيش، ولكن ما شاهدته وما عشته من تجارب أثبتت لي أن إحداث الجمعيات لا يتم من أجل تقديم أعمال نبيلة تهدف إلى تحسن وتطوير المجتمع بقدر ما تكون غايتها أن تشكل غطاء حزبيا أو من أجل اصطياد مصالح ومآرب شخصية صرفة، بعيدة كل البعد عن العمل الإنساني الذي عادة ما يرفع شعار « لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ».

إن المجتمع المدني غايته البناء وليس الهدم، ولكن ما قام ويقوم به أكبر من الهدم والتدمير، تدمير ثقة الشباب الحالم الذي لازال ينظر إلى الواقع المظلم بكل إيجابية، تعمل بعض الجمعيات على سرقة تلك النظرة وتسويد الأفق، وذلك عبر استقطاب الشباب واستغلاله واستعماله كأداة تسويقية من أجل إنجاز برامج غايتها القصوى الوصول إلى أهداف شخصية التي قد تتمثل في الحصول على الدعم الذي تقدمه الدولة للمجتمع المدني أو الأغلفة المالية التي يمكن الحصول عليها من طرف هيئات دولية، كالاتحاد الأوروبي وأمريكا، فعندما يطالب هؤلاء الشاب بتغير في الجمعية من أجل التطوير واقتراح طرق عمل أكثر فعالية وشفافية أو يحاولون نقد بعض الأعمال التي تبدوا لهم غير أخلاقية يتم لفظهم كما يلفظ البحر الغريق بعد موته، والذي يحصل هنا وهو الكارثة العظمى، ألا وهو خلق شباب كاره للوضع، فاقد للثقة، غير مؤمن بالعمل الجماعي، ولا يؤمن حتى بإمكانية التغيير، وقد يصبح هؤلاء الشباب هم أنفسهم يمارسون نفس الأعمال الذي مورست عليهم، وبالتالي هنا يكون المجتمع المدني مجتمع تدميري بدلا من أن يكون مجتمعا بناءً.

إن التقارير التي تصدرها مثل هاته الجمعيات لا تعدو أن تكون قصيدة مدح من أجل الحصول على الأعطيات، إذ لا يتم فقط المبالغة في مثل هذه التقرير حتى تصبح فقط تجافي الحقيقة بل الأمر يصل إلى حد الانتحال، سواء كان هذا عن طريق الكاتبة أو الصور، وفي الغالب ما تكون هذه الجمعيات من النوع الذي يصطلح عليه « جمعية أنا وخويا وامراتو » بحيث عندما يحين معاد تجديد المكتب، يتم الإبقاء على نفس الوجوه –أحب من أحب وكره من كره- أما قيام الديمقراطية والأخلاق التي تنصب الجمعية نفسها حارسة لها تضرب بها عرض الحائط، فما يهم هو البقاء في المنصب.

إن المجتمع الكبير أو الكلي هو لا يعدو في ذاته أن يكون مجموع المجتمعات المصغرة، التي تمثل هذه الجمعيات احداها، وبما أن هذه الأخيرة تعمل كأجهزة سرقة الثقة من أعين الشباب وتدمير البدرة قبل أن تصبح زهرة، وتعمل على خلخلة تلك المبادئ الطبيعية التي يحملها الفرد، فإنها بذلك تكون أداة تدمير بامتياز.
ليست غايتنا التشهير أو التقليل من دور المجتمع المدني وإنما غايتنا أن نسلط الضوء على ركن أو جزء من المجتمع الذي بدأ يلتهمه السواد، مستدركين ما تبقى من شعلة المجتمع المدني، ومؤكدين على دوره المحوي داخل المجتمعات.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *