علي الغنبوري
أظهرت الأزمة الحالية بين المغرب و اسبانيا كثير من الخلافات الدفينة بين البلدين ، و التي ظلت لسنوات طويلة مؤجلة او مسكوت عنها ، في ظل المسار الإيجابي الذي عرفته الشراكة الاستراتيجية بينهما.
الأزمة الحالية ، أبانت للجميع ان المغرب لم ينسى سبتة و مليلية و الجزر المحتلة ، و انه لم يعد يقبل التعامل المتعالي للدولة الأيبيرية معه في ظل المتغيرات الكثيرة التي عرفها ، والتي مكنته من عدد من الأوراق الاستراتيجية لفرض التعامل المتكافئ معه ، هذا بالإضافة الى طموحاته السياسية و الاقتصادية المتعارضة مع اسبانيا ، و أبانت هذه الأزمة كذلك عن الوجه الحقيقي لاسبانيا اتجاه المغرب ، وأظهرت ان النخب السياسية الإسبانية غير قادرة على التخلص من هواجسها الإستعمارية و توجهاتها الاستغلالية ، و لا تقبل وجود دولة قوية و مستقلة في قراراتها و توجهاتها على حدودها الجنوبية .
كيف طفت هذه الخلافات جملة واحدة الى السطح ، و لماذا تفجرت بهذه السرعة ؟ جواب هذا السؤال نجده في بلاغ وزارة الخارجية المغربية الذي أكد أن جدور الأزمة الحالية بين اسبانيا و المغرب تكمن في الثقة التي انهارت بين الشريكين .
تواري الخلافات بين المغرب و إسبانيا ، فرضته الشراكة الاستراتيجية بين البلدين ، التي بنيت خلال سنوات عديدة ، و جعلت الطرفين معا يتغاضيان او يؤجلان حسم هذه الخلافات ، شراكة تأسست بدرجة أولى على الثقة المتبادلة و السعي المشترك على تفادي الاضرار بمصالح أي منهما.
فالطرفين معا و بالاخص المغرب راهن على هذه الشراكة المبنية على الثقة ، كاطار ملائم لتذويب و حل كل القضايا العالقة ، بما يضمن للبلدين الربح المتبادل و الاستقرار و الامن ، و لم يسعى المغرب في اي لحظة من اللحظات الى توظيف او استغلال نقاط الضعف الاسباني ليميل كفة هذه الشراكة لصالحه.
هذا الطرح هو ما اكده بلاغ وزارة الخارجية المغربية ، الذي ذكر الجانب الاسباني بكل التضحيات و المواقف التي قام بها المغرب للحفاظ على الشراكة بين البلدين ، فالمغرب رفض استغلال أزمة انفصال كاتالونيا و تفادى اي أضرار باسبانيا في هذا الاتجاه ، و ساهم بقوة في الحفاظ على أمن اسبانيا ، و تغاضى عن تكاليف حماية حدود اسبانيا و اوروبا عموما من تدفقات المهاجرين ، و ساهم في حماية الاقتصاد الاسباني أثناء الأزمة الاقتصادية التي كادت تعصف بعدد من المقاولات الإسبانية .
ما قامت به اسبانيا اتجاه المغرب ، يتجاوز بكثير مجرد استقبال زعيم مرتزقة البوليساريو ، بل هو نسف لمسار الثقة التي بنيت بين البلدين ، وهدم لكل أسس الشراكة التي تجمع بين البلدين ، فاسبانيا تأمرت على المغرب و على وحدته الترابية ، و اختارت الدسائس و المكائد ، و أكدت للجميع انها لا تؤمن بالشراكة المبنية على الاحترام المتبادل .
تدبير المغرب لهذه الأزمة و قوة خطابه و تناسق مواقفه ، جعل اسبانيا تستفيق على واقع جديد مفاده ان المغرب قادر على مواجهتها و كشف مؤامراتها السرية و العلنية ، و قادر كذلك على الرد و على حماية مصالحه و انه يمتلك أوراق ضغط اكبر بكثير مما تمتلكه اسبانيا .
هذا الواقع الجديد لا يفرض على المغرب اي شيء ، بل يفرض على اسبانيا ان تجيب على دوافع ممارستها و مشاريعها المشبوهة، و ان تبحث عن السبل الكفيلة لاسترجاع الثقة التي دمرتها اتجاه المغرب ، فتوظيف بعض الاوراق لتلجيم المغرب لم يعد ذا نفع، في ظل التطور الذي عرفه ، و القوة التي بات يتمتع بها .