في المصالحة الاتحادية!

علي الغنبوري

التاريخ النضالي الكبير للاتحاد الاشتراكي ، و مساهمته القوية و المؤثرة في مسلسل البناء الديمقراطي بالبلاد ،لا يمكنها ان تحجب تاريخا طويلا من الفشل في تدبير الخلافات و الصراعات الداخلية ، التي طبعت حياته التنظيمية منذ لحظة تأسيسه .

فالاتحاد عاش منذ انطلاقته الاولى ، على وقع صراعات و اصطدامات قوية ، بين مختلف مكوناته ، ادت في غالب الاحيان الى اختيار الانفصال و الانشقاق كحل لتدبير هذه الازمات التنظيمية و السياسية التي مست جسده .

فكلنا نعرف كيف تم التعامل مع المهدي داخل الاتحاد الوطني ، و كيف عمل بوعبيد و رفاقه على الانسحاب من الاتحاد الوطني و تأسيس الاتحاد الاشتراكي بعد ما تعرضوا له، و كيف تأسس الطليعة من رحم الاتحاد ، و كيف خرج الاموي ، و كيف و كيف …

و لست هنا بصدد القيام بجرد كرونولوجيا الصراع داخل الاتحاد ، او التذكير به ، بمنطق جلد الذات و القاء اللوم على البعض دون الاخرين ، بل التذكير بهذا الوضع يهدف بالاساس الى تسليط الضوء على هذه الثقافة التنظيمية السلبية التي ترسخت داخل الذات الاتحادية طيلة عقود من الزمن .

فنحن لم نعرف و لم نعش يوما داخل الاتحاد ، اي مسعى للتجميع ، او اي توجه للمصالحة بين مختلف مكوناته ، بل بالعكس ، شاهدنا كيف تطورت داخلنا خطابات الحسم و القطيعة بين ابناء الحزب الواحد ، من قبيل « ارض الله واسعة » و  » الاتحاد قطار ماض في طريقه يتوقف في كل محطة و ينزل منه البعض و يركبه اخرون  » .

ترسب هذه الثقافة القاطعة و الصارمة داخل الاتحاد ، صحيح انها حسمت بشكل من الاشكال عدد من الصراعات السلبية و التي كان من الممكن ان تشل حركية و قدرة الحزب على الفعل السياسي ، لكنها في المقابل ساهمت بشكل كبير في افقاد الحزب توازنه التنظيمي ، و ادت الى استنزافه الزمني و البشري.

طرح فكرة المصالحة ، اليوم ،و رغم كل ما يمكن ان يلاحظ او يقال عنها ،الا انها تبقى توجها تنظيميا و سياسيا جديدا على الممارسة النضالية الاتحادية ، لم تعرفها من قبل الذات الجماعية للحزب .

و اي احكام او مواقف مسبقة من هذه المصالحة ، لا يمكن الا تصنيفها في باب ردود الافعال المتوارثة من النماذج الحزبية السابقة التي لم تألف منطق التجميع و الوحدة الحزبية .

وحدها الدينامية الميدانية ، و التوجهات الحالية و المستقبلية للحزب سياسيا و تنظيميا ، هي القادرة على ايضاح الصورة الحقيقية لهذه المصالحة ، و مدى قدرتها على تقوية الحزب ، و جعله فضاء لكل ابناءه و مكوناته.

تبني المصالحة داخل الاتحاد، لا يجب ان يغرق في منطق الحساب و « شكون اللي مسؤول على الوضع  » ، لان الحزب اذا فتح هذا النقاش ، ربما لن يستطيع حصر لائحة المسؤولين على ما وقع داخل ردهاته طيلة عقود من الزمن ، فالمصالحة لا تعني انهزام طرف و فوز اخر ، بل المصالحة هي اقرار جماعي بضرورة القطع مع ثقافة الحسم التنظيمي و شيطنة الاخر ، و ان تكون هذه المصالحة متوجهة بشكل اساسي و حصري الى المستقبل ،و ان تجعل التراكمات الحزبية السلبية خلف ظهرها .

المصالحة هي ، أن يقر الجميع بان وحدة الحزب خط احمر ، و ان الرهانات المستقبلية المطروحة عليه و على الوطن تقتضي الالتفاف الاني و العاجل لكل ابناءه حوله و حول مشروعه المجتمعي.

استجابة عدد كبير من مناضلي و اطر الاتحاد ، لنداء المصالحة ، و انخراطهم المؤثر في الدينامية السياسية و التنظيمية المتميزة التي اطلقها الحزب ، تعطي مؤشرات واضحة على فعالية و مصداقية هذا الطرح التنظيمي الجديد ،و تؤكد كذلك على جديتها ، و رغبة الحزب في ترسيخها كاساس متين للعمل التنظيمي داخل هياكله .

فالحزب اليوم منفتح و متزن ، و الدينامية التنظيمية و السياسية و الاشعاعية ، تطغى على عمله و على توجهاته، و عجلته استطاعت الدوران بشكل يجعله اكثر قوة و متانة ،بوجود ابنائه و بناته في صلب فعله السياسي.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *