في النضال من اجل الديمقراطية!!!

علي الغنبوري

قد يتوهم البعض ان النضال من اجل الديمقراطية ، يحتاج الى القطع الحاسم مع كل البنيات القائمة داخل المؤسسات و المجتمع ، و ان احقاقها يتطلب تنزيلا فوريا لشروطها و الياتها و بنياتها ، لتعويض كل ما هو موجود على الارض ، كما تبقى الوسائل حسب هذا الزعم مفتوحة على كل الاحتمالات، فالمهم هو الاقرار بالديمقراطية.

لكن ما يتناساه المنادون بهذا الطرح ،ان اقرار الديمقراطية ، يحتاج الى بنيات صلبة يقوم عليها ، و ايمان عميق بها ،و الى رؤية حائزة على الاجماع المطلق لتنزيلها ، كما يتنسى هؤلاء كذلك ، ان الديمقراطية ليست وصفة جاهزة قابلة للتطبيق و الترسيخ في كل الظروف و الاوضاع ، بل هي بناء مستمر و متواصل قادر على تجاوز الاختلالات و اصلاح الاعطاب من خلال الممارسة الميدانية داخل الاطار الظرفي و الزمني الخاص بها .

بناء الديمقراطية لا يعني الخضوع و السكوت على الاختلالات و التجاوزات التي تعتري مسارها ، بل المطلوب هو الجهر بالنضال من اجل اصلاحها و تعديل مقارباتها و ممارساتها الخاطئة ، لكن هذا النضال لا يمكنه باي حال من الاحوال ان يسعى الى النسف و الهدم و التفتيت ، قصد تجاوز كل التراكمات و اللبنات الاساسية لقيامها .

و النضال من اجل الديمقراطية ، الذي لا يستحضر المخاطر المحدقة بالاقرار البوهيمي بها ، يتحول الى خطر داهم عليها ، يسعى بدون شعور الى تسليمها الى من يريد ان يجعل منها مطية لفرض توجهات و قناعات تقوم على نقيضها .

فالنضال من اجل الديمقراطية ، يقتضي اولا تحصينها من تسرب الاطروحات المناوئة لها ، و الى توفير الشروط و الضمانات الكفيلة ببلورتها و ترجمتها على ارض الواقع ،دون ان تكون لقمة سائغة للتحريف و التهريب و التوظيف المصالحي و العقائدي .

و كما قال القس الامريكي مارتن لوتر كينج « الديمقراطية ليست استفتاء بالأغلبية ، فلو استُفتي الأمريكيون لظل السود عبيدا » ، بمعنى ان الديمقراطية ليست خضوع لتيارات سائدة داخل المجتمع و الى هواجس منحرفة تطغى على الشان السياسي ، بل الديمقراطية هي بناء متواصل و مستمر ، و توافق متكامل بين اطراف و قوى حاملة لروحها و مبادئها .

فسعي البعض الى جعل الديمقراطية كتيمة سياسية بدون اسس و بدون رؤى و بدون مشروع متكامل الضمانات ، هو نوع من « الدروشة » و السذاجة السياسية ، المبنية على العواطف و الاحاسيس و التفاعلات غير الموضوعية ، و غير محسوبة العواقب و المخاطر .

فالديمقراطية اليوم ، يجب ان تربط بقوة الوطن و بمناعته ، و بقدرته على ضمان الحرية لكل مكوناته ، و بتمكين كل ابنائه باختلاف توجهاتهم و قناعاتهم و عقائدهم ، من فرص المساهمة في بنائه ، و بالتصدي الحازم لكل النزوعات و الطروحات المتطرفة و العدمية غير المؤمنة بالاختلاف و بالتنوع و التعدد.

نجاح المشروع الديمقراطي رهين كذلك ، بالابتعاد عن المزايدات السياسية ، و التوجه الصادق نحو النقاش المتكافئ و البعيد عن لغة الشيطنة و العجرفة و الانانية المبنية على منطق  » انا بوحدي اللي ديمقراطي » ، و الكليشيهات و التهم الجاهزة ، في سعي صادق الى البلورة الموضوعية و المتأنية للديمقراطية ، مع استحضار كل المعيقات و الاخطار التي تتربص بها ، و التي تتحين الفرص للانقضاض على الوطن .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *