في بعض اوجه الفساد الصحفي

علي الغنبوري
عادة ما يصر البعض على ربط الفساد بالسياسة و مجالاتها و ممارساتها، و جعله حكرا عليها ، حيث تكون الاضواء ساطعة و مسلطة بشكل دقيق و متواصل على الفاعلين بها و الممارسين لها ، ما يجعل منها المجال الابرز للفساد و متابعته و قياس درجته و خطورته .

و اذا كانت الاضواء مسلطة على الفساد السياسي، فانها تبقى خافتة و مظلمة في مجالات عديدة ،حيث يتغلغل الفساد و تمتد جذوره ، و تنمو اوراقه و ثماره ، بدون حسيب او رقيب ، و في تغطية تامة على اوجهه و تفاصيله .

من بين هذه المجالات المخفية و المستترة ، تظهر الصحافة كاحدى البؤر الحقيقية للفساد ،حيث تبدو معالمه بشكل جلي على ممارسات و حياة بعض الفاعلين بها، في تطبيع تام معه ، و بسكوت مثير عن وجوده و انتشاره داخلها .

و اذا كانت الصحافة هي الالية التي من المفروض ان تفضح الفساد و تبرز خطورته داخل المجتمع ، فانه و للاسف فبعض المنتسبين و القائمين عليها ، اصبحوا دروعا و عرابين لهذا الفساد ، او بمعنى اصح اصبحوا هم الفساد بعينه،

الحديث عن فساد الصحافة لا يعني التعميم او جعل المهنة و رجالها و نسائها فاسدين ، بل الحديث عن هذا الفساد يعني جزء و فئة تعيش داخل هذه المهنة ، و تجعل منها مطية للتطبيع مع الفساد و مممارسته و الاستفادة منه .

فلا احد اليوم يطرح السؤال كيف اصبح بعض الصحفيين من اغنياء المغرب ، و كيف اصبحوا يديرون المشاريع الاستثمارية و العقارية ، و كيف يركبون السيارات الفارهة ، علما ان دخلهم و اجرتهم مهما علت ، لا يمكنها باي حال من الاحوال ان تمكنهم من هذا الثراء الفاحش الذي يعيشون فيه امام مرأى و مسمع من الجميع .

فممارسة الصحافة لا تعني الحصانة ،و لا تعني الحصول على ورقة بيضاء للترفع عن القانون ، و لا تعني الخروج عن دائرة المحاسبة و المسائلة ، و لا يمكنها باي حال من الاحوال ان تكون ملجأ للحماية و التستر او التبييض.

ما كشف عنه التقرير الاخير للمجلس الاعلى للحسابات بخصوص الدعم المقدم للصحف ، هو مدخل حقيقي لفهم بعض اوجه هذا الفساد الذي بات يتغلغل داخل الجسم الصحفي المغربي ، و معرفة خفايا و حقائق الامور داخل هذا القطاع .

فهذا التقرير ، كشف عن التلاعب الحاصل في منح الدعم للمؤسسات الصحفية ، و اثبت الانحرافات الواقعة في صرفه ، و من يستحقه ، و زيغه عن اهدافه ، و اوضح الطرق الملتوية المعتمدة من طرف بعض المؤسسات الصحفية في التحايل على القانون للحصول على الدعم الممنوح من جيوب دافعي الضرائب بالمغرب، بالاضافة الى الاحتكار الذي تمارسه قلة قليلة من المؤسسات الصحفية في شان الاستفادة من هذا الدعم .

للاسف ما جاء به تقرير المجلس الاعلى للحسابات من اختلالات و تجاوزات خطيرة ، تاخد طابعا واضحا للفساد ، يمر مرور الكرام امام مراى و مسمع من الجميع ، دون ان تسلط عليه الاضواء او يثار حوله اي نقاش ، رغم ان معالمه و و ملامحه باتت تؤثت المشهد الصحفي .

فما معنى ان تحصل صحيفة على اكثر من مليوني درهم كدعم ، لتؤدي اجر مديرها البالغ 15 مليون سنتيم شهريا ؟ ، في حين يتقاضى الصحفيون العاملين ما لا يكفي حتى لسد رمقهم ، و ما معنى ان يمنح رئيس لجنة الدعم لنفسه ملايين الدعم باسم مؤسسة صحفية يرأسها؟،دون ادنى احترام لشروط النزاهة و التجرد ، و ما معنى ان توظف اموال الدعم المخصصة لتعزيز الموارد البشرية و التكوين ، في نفقات التسيير و شراء الورق و مساهمات الضمان الاجتماعي ؟ و ما معنى النفخ في عدد مبيعات و سحب الصحف للحصول على الدعم ؟

رسالة الصحافة القائمة على كشف الحقيقة ،و على التنوير ،و نقل الخبر ، و فضح الفساد ، تقتضي الشفافية و النزاهة و الاخلاق و الثقة ، و تفرض على ممارسها ان يكون خالي الذمة و بعيد كل البعد عن اي شبهة او التباس يتعلق بالفساد ، و الا تحول الامر الى رعاية للفساد و توفير لشروط انتشاره و انغراسه داخل المجتمع ، فالصحافة يجب ان تكون كاشفة للفساد لا راعية و ممارسة له .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *