في معاني « التطبيع » مع اسرائيل !!!

علي الغنبوري

من المؤكد ان عدالة القضية الفلسطينة ، تستلزم مواقف واضحة و مبدئية ، تقوم على الجهر بحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته و العيش الامن و المستقر داخل حدودها ، لكن هذا الموقف لا يمكنه باي حال من الاحوال ان يتجاوز واقع الارض و الشرعية الدولية القائمة على وجود دولتين واحدة فلسطينية و اخرى اسرائيلية .

فوجود اسرائيل لم يعد يحتاج الى تأكيد او دفاع او « تطبيع » ، بل هو امر يقبل به الجميع و يقر بشرعيته ، فكل المطالب و الاتفاقات و المواقف الصادرة عن الدول و المنتظمات الدولية لا تتجاوز سقف حل الدولتين ، بمعنى ان لا احد يلغي وجود اسرائيل ،و حتى الدول التي تدعي اليوم الممانعة و المقاطعة ، فهي لا تطعن في وجود اسرائيل ، بل بالعكس فهي تحاورها و تجالسها في الخفاء و العلن ، و تطالبها بالانظباط للقرارات و الشرعية الدولية ، التي و ان كانت تدين احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية ، فانها تعترف بشرعية الدولة الاسرائيلية.

هذا الاعتراف الضمني بوجود اسرائيل ، يلغي اي حديث عن التطبيع بصيغته الرائجة و كانه اعتراف بشرعية وجود اسرائيل ، بل ينسف كل المواقف الاستعراضية التي تبديها بعض الجماعات و الجهات ، التي ترفع شعارات متطرفة و راديكالية تنطلق من مرجعيات و ارتباطات مشبوهة، تقوم على العنف و الصدام و الدم .

مقاربات الصدام و الحرب مع دولة اسرائيل ، و شعارات طرد اليهود و رميهم في البحر التي رفعتها الانظمة العسكرية العربية و تفريعاتها القومجية و العروبية ،و الجماعات المتطرفة الاسلاموية ، هي السبب الابرز في استفحال الازمة الفلسطينة ،و تقلص فرص خروج الدولة الفلسطينية الى الوجود ، و غياب السلام و الاستقرار في المنطقة.

وجود هذه المقاربات العنيفة المتحكمة في هذا الصراع ، هو ما يعطي المبررات و الدوافع لشرعنة اسرائيل لاحتلالها للاراضي الفلسطينة و بعض الدول المجاورة ، فاسرائيل تعتبر نفسها في حالة حرب دائمة، و تبحث بشكل مستمر عن العمق الاستراتيجي الذي يضمن امنها على الارض ، في ظل محيط مضطرب و مشتت تتحكم فيه جماعات و قوى متطرفة و عرقية تحمل خطاباتها الكراهية و الموت لها.

لا احد اليوم يريد الاعتراف و الاقرار بازدواجية المواقف اتجاه اسرائيل ، فالكل يعترف بوجود هذه الدولة و الكل يريد طردها و افناءها من الوجود ، دون اي حديث عن البحث عن السلام الشامل و العادل الذي يضمن العيش الامن لشعوب المنطقة اعتبارا لروابطهم الانسانية المشتركة اولا و قبل كل شيء ، فلا معنى اليوم للاستمرار في خطابات تحقير اليهود و تسفيههم و رفع صفة البشر عنهم واجازة قتلهم و ذبحهم ، فالمطلوب اليوم تطويق اسرائيل بالسلام و بالاندماج في المنطقة، و رفع اي مبرر لاستمرار احتلالها للاراضي الفليسطينة.

للاسف الارتباط بالقضية الفلسطينة تشكل في وجدان شعوب المنطقة انطلاقا من دوافع دينية و عرقية محضة ، شكلت اساس صلب لقيام مقاربات انتهازية و نفعية توظف هذه القضية في خدمة مصالحها و رهاناتها الشخصية و الانانية ، التي يشكل المال غايتها و وسيلتها .

ان صوت العقل اليوم يجب ان يبتعد عن الدعوات المتطرفة و الانتهازية و النفعية التي ادت الى ضياع فرص السلام و دفعت بالمنطقة الى التشردم و الشتات و التخلف ،و يجب ان يخطو بثبات نحو مقاربة هذا الملف انطلاقا من خطوات معقولة و واقعية ، تضمن حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته ،و في نزع فتيل التوثر الديني و العرقي الذي يحكم مسار هذه القضية .

ما قام به المغرب اليوم من قبول لاعادة علاقاته الديبلوماسية مع اسرائيل هو خطوة واقعية و شجاعة ، تعبر بشكل جلي عن نضجه و عن اقتناعه التام بضرورة تغير المقاربات و الاستراتيجيات الموجهة لهذه القضية و التي لم تحقق الا مزيدا من الانكسار و الاحباط لشعوب و دول المنطقة برمتها .

المغرب لا يمكنه ان يظل رهينا لمقاربات و توجهات مفككة و غير واقعية ، تحكمها منطلقات متطرفة و عرقية ، تعزله عن بعده الدولي و الانساني ، و تغيب عنه فرص التنمية و التطور ، و تمنعه من حسم قضاياه و تطلعاته و رهاناته ، بما يضمن له و لمواطنيه سبل النجاح و الرقي و التقدم العلمي و التكنولوجي و الاجتماعي و الاقتصادي .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *