في نقد اليسار المغربي و الانتصار للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

علي الغنبوري

لست هنا بصدد اعطاء الدروس ، او التشفي او النصح ، بل اعبر من خلال هذا المقال على نقد موضوعي على حالة الفشل التي اظهرها اليسار المغربي خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة ، كبينة سياسية ، لم تعد قادرة على مواكبة تطلعات و انتظارات الشعب المغربي.

نتائج اقتراع 8 شتنبر ، أظهرت حقائق عديدة ، و كشفت عن عيوب كثيرة في منهجية و تصورات اليسار المغربي للعمل السياسي ، و جعله اكثر قربا من المواطنين ، و جعله كذلك يترجم حقيقة البنيات الثقافية و السياسية الموجودة داخل المجتمع و التي من المفروض ان يجسدها اليسار سياسيا .

نتائج اليسار المغربي في الانتخابات الأخيرة ، أظهرت بما لا يدع مجالا للشك ، ان اليسار بعيد عن المجتمع ، و غير مقنع ،و لا يشكل اي بديل سياسي، بل يمكننا ان نقول انه معزول مجتمعيا و غير قادر على ترجمة أي توجه ديمقراطي حداثي داخل المجتمع .

هذه النتائج الانتخابية ، كشفت ايضا عن وعي منقطع النظير للشعب المغربي ، و عن قدرته على الفعل و التأثير في المجريات السياسية في البلاد ، و عن متابعته الدقيقة لما يحصل في مختلف الأحزاب السياسية ، فما وقع من انشقاق و صراع لا سياسي و لا منطقي داخل فيدرالية اليسار ، و الذي كان شعاره الأنانية و النرجسية الشخصانية بين مختلف مكوناتها ، جعل الشعب المغربي يبتعد اكثر عن اليسار ، و يعتبره غير مجدي و بدون اي أفق و لا يحمل اي امل في التغيير .

انتخابات 8 شتنبر ، اتبثت كذلك ، ان الشعارات و الخطابات السياسية لليسار فقدت جاذيتها الشعبية ، و لم تعد قادرة على استقطاب ابناء الشعب المغربي ، فهي شعارات و رؤى عتيقة لم تتجدد و لم تواكب التطورات الهائلة التي عرفتها البنية المجتمعية ، و ظلت حبيسة مقومات صراع سياسي متجاوز .

للاسف اليسار المغربي اخلف الموعد مع وجوده القوي داخل المجتمع ، في ظل كسل منظومته الفكرية ، و عدم قدرته على تجديد نخبه ، و تردده في الحسم مع قوى الاسلام السياسي ، و ازلية الصراع التنظيمي الذي يخترق جسده ، و نظرته الشوفينية للحداثة ، التي تجعله يتوهم انه الممثل الوحيد لها .

مشكل اليسار لا يتوقف عند هذا الحد ، بل يمتد الى الحرب المعلنة ، التي بدأها اتجاه مكوناته الكبرى التي أسست للتوافق السياسي بالبلاد ، منذ حكومة التناوب برئاسة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي ، حيث بدأت اتهامات الخيانة و الإنبطاح تؤسس للعلاقة التي تجمعه بين هذه المكونات ، في محاولة غير محسوبة و غير مجدية لادعاء تمثيلية اليسار ، و لعزل هذه المكونات سياسيا و شعبيا ، و اظهارها بمظهر المدجن و التابع و الفاقد للشخصية السياسية .

نتائج استحقاقات 8 شتنبر ، أظهرت للجميع ، ان الحروب الدائمة لليسار على الاتحاد الاشتراكي باعتباره المكون الابرز و الاكبر و التاريخي لليسار ، لا تحمل اي معنى ، و لم تحقق أي نتيجة ، بل بالعكس ادت الى تراجع اليسار المهول و الى انحساره داخل المجتمع ، واكدت ان الاتحاد الاشتراكي يتعافى و يعود بتباث الى مكانته السياسية .

فالاتحاد الاشتراكي و رغم حالة الصراع القاتلة التي عاش على وقعها طيلة سنوات ، استطاع ان يعالج ذاته التنظيمية ، و ان يجدد خطابه السياسي ، و ان يواكب التغيرات التي طرأت على الشعب المغربي ، وان يجعل من نفسه الحزب اليساري الديمقراطي ، الاكثر قدرة على تمثيل و تجسيد قيم و مبادئ و توجهات اليسار في المغرب .

للاسف اليسار المغربي تحول من طرح سياسي ، الى حالة نفسية معقدة لعدد من مكوناته ، تحجب اي رؤية او أي توجه نحو التطور و التغير ، و تمنع اي امكانية للوحدة ، و هو ما يضعه خارج الزمن السياسي ، و يدفع إلى عزلة اطاراته التنظيمية القائمة ، و يعزز ما قاله الاستاذ ادريس لشكر في وجوب البحث عن توحيد اليسار من داخل المجتمع .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *