كارثة حراك « الربيع العربي »

محمد بوبكري
لقد هلل بعض الناس لحراك الربيع العربي واعتبروه فاتحة للتغيير « الديمقراطي » في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكن هذا الحراك الديني كان مدمرا لأنه يعتمد أطروحة إسلاموية تكفيرية، ما جعله يتسبب في قتل بشر لا لشيء سوى لأنهم ليسوا من طائفة الإرهابيين التكفيريين، بل لقد دمرت هذه الجماعات أوطانا بكاملها، وأحرقت فيها الحرث والنسل. وهذا ما جعل ما سمي بًًًًـ « الربيع العربي » كارثة حضارية ومادية وإنسانية وأخلاقية..، فتأكد أن الإرهاب التكفيري وحش حقيقي لأنه يذبح الإنسان ويقتل الأطفال والنساء، كما قتل بالرشاش جماعات من الناس ودفنهم في حفرة واحدة أمام عدسات الكاميرات. فضلا عن ذلك، فقد قام الإرهابيون التكفيريون بسجن النساء في أقفاص وبيعهن بأسعار محددة كالأغنام والبهائم. هكذا أصبحت مشكلة المجتمعات العربية الإسلامية مع جماعات الإرهاب التكفيري أكبر بكثير من مشكلاتها مع السلطة ، لأن هذه الجماعات تهدد استقرارها وتفتت أوطانها (أدونيس).
لقد شل الإرهاب التكفيري المجتمع العربي الإسلامي وأرجعه إلى عصور الظلمات، فلم يعد قادرا على أداء وظائفه التنموية والحضارية، لأن هدف هذه الجماعات هو الصعود إلى السلطة وتدمير الإنسان عبر تجريده من عقله وخياله وتغييبهما، إضافة إلى تفقير هذه المجتمعات وتجهيلها….
كما أكد تطور الأحداث أن الإرهاب التكفيري صنيعة دولية يتم تمويلها إقليميا لخدمة مصالح إستراتيجية محددة لقوى أجنبية. وقد ساهم هذا الإرهاب في تطوير أدوات الاستعمار وأساليبه، حيث نجح في أن تكون لهذا الاستعمار جيوش محلية في الشرق الأوسط، تمولها بعض دول الخليج، ما جعل هذه المنطقة سوقا لبيع الأسلحة بامتياز. وبذلك، لم تعد القوى العظمى في حاجة إلى نقل جيوشها إلى هذه المنطقة، وتفادت مقتل أفراد هذه الجيوش وكذا الإنفاق عليها، وبذلك استطاعت تجنب احتجاجات مجتمعاتها بدعوى الإنفاق الذي سيكلفها اجتماعيا، وكذا إزهاق أرواح أبنائها. نتيجة لذلك، أصبحت للقوى الغربية النافذة جيوش محلية في الشرق الأوسط تأتمر بأوامرها….
إضافة إلى ذُلك، لم يعد الشرق الأوسط مع الإرهاب التكفيري أمام إسلام واحد، بل أصبحت تسوده طوائف متعددة مؤدلجة، فغاب إسلام النص لصالح إسلام الجماعات والطوائف، الذي ينشد العنف، وأصبح الإسلام يتمحور حول السلطة وتعويض هؤلاء بأولئك، فلم يعد قادرا على الانكباب على الاكتشاف والبحث والتقصي والعلم والفن وبناء عالم جديد، ولا على الانشغال بالتنمية وحقوق الإنسان والقضاء على البطالة… تبعا لذلك، توقف الإسلام مع جماعات الإرهاب التكفيري عن أن يكون رسالة، فتحول إلى إيديولوجية هدفها ممارسة العنف والهدم والتخريب. كل هذا يعمق انفصال الإسلام عن العقل، ما يزيد في تخلف المسلمين. الإسلام كائن حي، وكل حي يفرز نفايات خلال مسار تطوره وتفاعله مع المجتمع والطبيعة. وما دام العرب المسلمون لا يعرفون نفايات دينهم، فإنهم لن يعرفوا كيفية التخلّص منها. هكذا، تم تجميد الإسلام وتحنيطه على يد جماعات الإرهاب التكفيري التي تناهض العقل والانفتاح على الآخر…
وإذا كان تقدم الشعوب يقاس بمدى إبداعيتها التقنية والفكرية والفنية، وبمدى علاقاتها بالآخر، وقدرتها على بناء المستقبل والمشاركة في بناء الحضارة الإنسانية، فالعرب المسلمون يوجدون اليوم في أسفل سلم التقدم، وبذلك لم يعد لهم مكان في التاريخ الراهن. ويجب أن نعترف بأنهم في طريق الانقراض، كما انقرض السومريون والبابليون والفراعنة والرومان، وغيرهم، من قبل. فالحضارات تموت عندما يفقد أصحابها أي قدرة على المشاركة الخلاقة في بناء أنفسهم ومجتمعاتهم، وفي بناء العالم. ويعني ذلك أن المجتمعات العربية الإسلامية إذا ما ظلت على حالها اليوم، فلا مستقبل لها في المشاركة في بناء الحضارة الإنسانية….

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *