كل ما يجب ان تعرفه عن الزيارة التاريخية للبابا فرانسيس للمغرب

تستعد العاصمة المغربية الرباط لاستقبال بابا الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس، في زيارة تاريخية واستثنائية. ووفق ما تفرضه البرتوكولات والمراسيم التقليدية من المرتقب أن يلتقي البابا فرنسيس بالملك محمد السادس، وأن يلقي خطاباً جماهيرياً أمام عدد من “المؤمنين ورجالات الدين” وضيوف كبار في ملعب مولاي عبد الله.

قبيل وصوله إلى الرباط، وجّه البابا في خطابه المصور رسالة شكر إلى الملك محمد السادس على دعوته له، وإلى السلطات المغربية على ما وصفه بـ “التعاون السخي”، معتبراً أن زيارته المغرب، والتي ستستمر يومين، سيعتبرها كحج من أجل السلام، على خطى القديس يوحنا بولس الثاني، الذي سبق له أن زار المغرب في ثمانينيات القرن الماضي.

استعدادات وتدابير أمنية

منذ أسابيع عدة، تجري الاستعدادات على قدم وساق في العاصمة الرباط لاستقبال الضيف الكبير، وأمضت مجموعة من العمال أياماً عديدة في تبييضِ الأبراج الضخمة لكاتدرائية القديس بطرس، وكذلك الواجهة الرئيسة لاستعادة اللون الأبيض المفقود بعد الأمطار الغزيرة التي هطلت العام الماضي، بالإضافة إلى تنظيف جنباتها والمرافق الداخلية.

وكاتدرائية القديس بطرس هي مقر الأسقفية في الرباط ولها اختصاص كنسي في جميع أنحاء المغرب، باستثناء شمال البلاد، تأسَّست العام 1921، وتُعد واحدة من أبرز الأمثلة على العمارة المسيحية في شمال أفريقيا. وتشهد مدينة الرباط منذ الأسبوع الماضي استنفاراً أمنياً كبيراً، وانتشاراً في الأحياء المجاورة لـ “حي حسان”، المحطةُ الأولى في زيارة البابا، ويوجد في كلّ شارع أفراد من القوات المساعدة وعناصر أمنية بالزي الرسمي.

كما جرى تعزيز محيط الكاتدرائية بأعضاء جدد من عناصر من الشرطة والحماية ترقباً للحدث الذي ينتظره العالم. ومنذ يومين، تجمع حشد من جنسيات مختلفة غالبيتهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء أمام مدخل كاتدرائية الرباط، يتهافتون بحماسة للحصول على تذاكر لحضور زيارة البابا فرنسيس إلى المغرب السبت والأحد.

برنامج زيارة “خادم الأمل”

في تفاصيل الزيارة التي تحمل شعار “البابا فرنسيس: خادم الأمل”، من المرتقب أن يصل البابا إلى مطار الرباط سلا الدولي السبت 30 مارس (آذار) عند الساعة الثانية بعد الظهر، وبعدها سينتقل إلى القصر الملكي بالرباط لحضور حفل الترحيب في ساحة المشور، ثم سيلتقي بممثلي الشعب المغربي والسلطات والمجتمع المدني والسلك الدبلوماسي في ساحة حسان، قبل أن يلقي خطاباً بالمناسبة في باحة المسجد.

كما سيقوم البابا بزيارة مجاملة إلى الملك محمد السادس في القصر الملكي بالرباط، قبل أن ينتقل إلى معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين، ويقوم مساء اليوم الأول بعقد جلسة مع عدد من المهاجرين. وفي اليوم الثاني سيلتقي البابا فرنسيس بعدد من الكهنة ورجال الدين وممثلي مجلس الكنائس العالمي في كاتدرائية الرباط، ويلقي خطاباً جماهيرياً في ملعب مولاي عبد الله بالرباط.

الهجرة، الموضوع العزيز على الكنيسة

قال المتحدث باسم أبرشية الرباط الأب دانييل نوريسات إن قضية الهجرة ستحظى باهتمام البابا خلال زيارته المغرب، لكون المغرب محطة مهمة للمهاجرين الساعين إلى العبور إلى أوروبا، كما أنه يوجد 80 ألف مهاجر حالياً في المغرب. وتتزايد الأرقام باطراد منذ العام 2017 عندما بدأت إيطاليا وليبيا بالتعاون لمنع المهاجرين من الانطلاق من ليبيا لعبور البحر الأبيض المتوسط والوصول إلى أوروبا.

وكانت مواقع إلكترونية فاتيكانية، سلطت الضوء على برنامج البابا في زيارته إلى المغرب، والتي ستشمل زيارة إلى معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، ثم زيارة جمعية مدافعة عن حقوق المهاجرين، بأبرشية الرباط، للوقوف على العمل الذي يقوم به المغرب في مجال مساعدة حقوق المهاجرين وحفظها.

في هذا السياق، أوضح ممثل الكنسية الكاثوليكية في الرباط أن “الزيارة الرسولية ستولي أهمية للتضامن مع المهاجرين داخل المغرب، وهو البلد الذي اختار فتح أبوابه للمهاجرين”، كما تعتبر هذه المناسبة تأكيداً من البابا فرنسيس ودعماً للاتفاق العالمي حول الهجرة الذي عقد بمراكش برعاية الأمم المتحدة العام 2018، لحثّ المجتمع الدولي للتفاعل بمسؤولية وتضامن ومحبة مع المهاجرين.

لقاء سلطتين دينتين

في حديث إلى المجلة الأسبوعية الفرنسية (لوبوان)، أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي ناصر بوريطة أن الزيارة تاتي “في سياق يتميز، بفقدان البوصلة، وتنامي التطرف”.

من جهة أخرى، يقول الدكتور محمد بشاري الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة إن مواصلة “الحبر الأعظم” واجتهاده في الحفاظ على تناغم ووئام واستمرار اللقاءات بين أتباع الأديان يعتبران عنصراً بارزاً وراسخاً في السطور التي تضم جهوده المخلصة لإحلال السلام والمحبة، إذ تأتي زيارته إلى الرباط والدار البيضاء، بعد أقل من شهر على زيارته التاريخية المشبعة بـ “الأخوة” إلى الإمارات.

وأضاف الدكتور بشاري أن جهود بابا الكنيسة الكاثوليكية تجسد انسجاماً للنداء العالمي الذي أطلقه من أجل “الإخاء”، قائلاً في رسالته بمناسبة عيد الميلاد “أمنيتي في هذا العام هي رغبة في الأخوَّة. الإخاء بين الأشخاص من كل أمة وثقافة، الأخوة بين أصحاب الأفكار المختلفة الذين يمكنهم احترام بعضهم بعضاً والاستماع لبعضهم بعضاً، الأخوة بين الأشخاص من مختلف الأديان”.

ويرى المحلل السياسي محمد بودن أن زيارة البابا فرنسيس تعتبر زيارة تاريخية لأسباب عدة من بينها، أن المغرب هو البلد الذي رسخ فكرة التنوع وحرية ممارسة الشعائر الدينية في وثيقته الدستورية.  ويشير محمد بودن إلى أن العلاقات بين أتباع الديانات شهدت توتراً وحذراً متبادلاً في السنوات الأخيرة بفعل المدّ الفكري المتطرف والأحداث الإرهابية في عدد من بقاع المعمورة، وما يطبع الهجرة من جدل مؤثر في العيش المشترك، الأمر الذي يجعل من زيارة البابا في هذا الظرف إشارة منه إلى أن المغرب نموذج للتعايش والتسامح وقبول الآخر.

حوار الأديان

وفي السياق نفسه، أكد الخبير في شؤون الفاتيكان ماركو بوليتي، أن المغرب تَفرد دائماً بدوره “الطلائعي” في الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وهو ما يعطي أهمية لزيارة البابا فرنسيس التي سيكون لها “وقع إيجابي جداً على تعايش الأديان في العالم”. أضاف ماركو، في حديث إلى وكالة المغرب العربي للأنباء، أن زيارة البابا فرنسيس للمملكة ستمكن من “تعزيز التعاون بين الأديان في شكل أكبر من أجل إحلال السلام وتحقيق العدالة، والأخوة الإنسانية، بما يضمن العيش المشترك والاحترام المتبادل داخل المجتمعات”.

وكشف القس “كريستوبال لوبيز روميرو” رئيس أساقفة الرباط، والقس “سانتياغو أغريلو مارتينيز”، رئيس أساقفة طنجة، عن أن “هذه الزيارة الأولى للمغرب من طرف البابا فرنسيس هدفها تطوير الحوار بين الأديان، وتعزيز التفاهم المتبادل بين المسلمين والمسيحيين وترسيخ قيم السلام والتسامح”. ولفتا إلى أن هذه الزيارة تعد محطة تاريخية ستسمح بمواصلة وتثبيت علاقات الترحاب والتفاهم بين المغرب والكنيسة الكاثوليكية والتي استمرت قروناً عدة.

علاقات ملوك المغرب والكنيسة الكاثوليكية

نشر المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، تقريراً تضمن سرد العلاقات بين المغرب والفاتيكان، وبحسب التقرير، تعود العلاقات بين ملوك المغرب والكنيسة الكاثوليكية إلى عهد المرابطين، وفق منشور عمّمته اللجنة المنظّمة يسرد تاريخهما المشترك، وفي العام 1980، قام الملك الراحل الحسن الثاني بزيارة رسمية إلى الفاتيكان، هي الأولى إلى الحبر الأعظم بروما من قِبَل رئيس دولة مسلمة.

وبعد أربع سنوات من زيارة الملك الراحل الحسن الثاني دولةَ الفاتيكان، صدر مرسوم ملكي يؤكد “مركزيةَ الكنيسة الكاثوليكية في المغرب، وحقها في ممارسة مهامها بحرية خصوصاً في ما يتعلق بالعبادة، والتعليم الديني، وإنشاء إطار قانوني للتعايش السلمي بين المسلمين والكاثوليك”، وهو ما تلاه في العام 1985، وفق المصدر نفسه، زيارة البابا يوحنا بولس الثاني للمغرب.

البابا يوحنا بولس الثاني يُقَبل أرض المغرب

في العام 1985، حلّ البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في المغرب بعد زيارة الحسن الثاني إلى الفاتيكان العام 1980، واستقبل ملك المغرب حينها بابا الفاتيكان بمطار محمد الخامس في الدار البيضاء. وحضر هذا الاستقبال أبناء الملك وأبناء أخيه الأمير مولاي عبد الله ومسؤولون كبار في الدولة المغربية. ومن المشاهد التي ميّزت وصول البابا يوحنا بولس الثاني إلى المغرب تقبيله الأرض مباشرة بعد نزوله من الطائرة.

خلال هذه الزيارة، شارك البابا يوحنا بولس الثاني إلى جانب الملك الراحل الحسن الثاني آنذاك في إلقاء خطاب تاريخي عن الإسلام والمسيحية، في المجمع الرياضي محمد الخامس في الدار البيضاء، أمام 80000 من الشباب المسلمين، وفي تلك المناسبة دعا قداسة البابا المسيحيين والمسلمين إلى تعارف أفضل من أجل بناء السلام، وحضّ أيضاً على الإخاء والحوار.

العلاقات الدبلوماسية

بدأت العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والكرسيّ الرسولي، أو الكرسيّ البابويّ، في العام 1976، وشهدت افتتاح السفارة البابوية، التابعة للكرسي الرسولي، في الرباط في العام 1988، وعرفت في العام 1997 افتتاح المغرب سفارته لدى هذا الكرسي. وبعد ثلاث سنوات، زار الملك محمد السادس رسمياً مقر الفاتيكان، والتقى البابا يوحنا بولس الثاني، وفي أغسطس (آب) السنة الماضية، عُيّنت الأكاديمية رجاء ناجي مكاوي سفيرة للمملكة في الفاتيكان.

الكنيسة في المغرب

كشف تقرير لوكالة “فرانس برس” عن أن أكثر من 90 في المئة من المسيحيين المقيمين حالياً في المغرب من أفريقيا جنوب الصحراء. ويتوزع هؤلاء المسيحيون بين الطلاب الذين يتابعون دراستهم العليا مستفيدين من نظام المنح الجامعية، وبين المهاجرين الذين حلّوا في المغرب على أمل العبور نحو أوروبا، سواء النظاميين منهم أو الموجودين في وضع غير نظامي.

في المقابل، يؤكد التقرير ذاته، تراجع نسبة المسيحيين الأوروبيين، منذ استقلال المغرب عن الاستعمار الفرنسي والإسباني في العام 1956. وكان المغرب يضم آنذاك أكثر من 200 كنسية كاثوليكية وحوالي 300 ألف مسيحي، وتحوّل بعض الكنائس مساجد أو مراكز ثقافية وأصاب الخراب بعضها الآخر، بعد رحيلهم. وحالياً، يبلغ عدد الكنائس الموجودة في المملكة 44 يديرها 57 راهباً من 15 جنسية مختلفة، تحت مراقبة أساقفة في طنجة والرباط.

وبحسب المصدر ذاته، يمثل الأجانب النسبة الكبرى من المسيحيين الذين يعيشون في المغرب، لكن المملكة تضم أيضاً مغاربة اعتنقوا المسيحية. ويقدّر مرصد الحريات الدينية عددهم بحوالي 8000 شخص، معظمهم بروتستانت. أما الكنسية الكاثوليكية الرومانية فتقدّر عدد أتباعها في المغرب بما بين 30 ألفاً إلى 35 ألفاً، ويعترف القانون المغربي بهذه الكنسية بموجب مرسوم صدر العام 1984 قبل أول زيارة قام بها البابا يوحنا بولس الثاني للمغرب.

الاندبندنت البريطانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *