بقلم: مصطفى الفن
لا أدري كم لبث السيد فيصل العرايشي على رأس التلفزيون الرسمي لبلد عريق اسمه المغرب؟
السيد لبث ربما أكثر من ربع قرن ولا زال يتحدى الزمن ويتحدى كل الظواهر الطبيعية وكأن البلد مصاب بالعقم..
وطبعا لن أتحدث عن “مول الفرماج” بالقناة الثانية..
لن أتحدث عنه لأن السيد يكاد يكون جزءا من النظام العام طالما أن عارضة الأزياء الجميلة سلوى بوشعيب قالت فيه ربما كل شيء دون أن يقع أي شيء في ملك الله..
وأخشى ما أخشاه هو أن تكون الدولة “نسيت” البعض من هؤلاء المسؤولين في هذه المناصب الحساسة بهذا القطاع الاستراتيجي الهام والحساس جدا جدا..
حصل هذا حتى أن تلفزيون البلد ارتبط ببعض أسماء هؤلاء المسؤولين أكثر مما ارتبط بما يقدمه من خدمات عمومية للوطن وللناس..
لكن ماذا كانت النتيجة بعد كل هذه العقود من “النسيان” ومن “الإهمال”؟..
النتيحة هي هذا الاكتساح القوي للتفاهة ولصناع التفاهة..
والنتيجة أيضا هي هذا القبح التلفزي الخادش للذوق والماس ربما حتى بالحياء وبكل ما هو أصيل وبكل ما هو مشترك بين المغاربة..
والنتيجة أيضا هي هذا “التغول” لشركات إنتاج بعينها..
أما ثالثة الأثافي فهي هذه الحالة من الشرود لبلد كبير يواجه تحديات كبرى لكن بلا إعلام عمومي حقيقي تقريبا..
اللهم إلا إذا استثنينا ما يقدمه بعض الزملاء والصحافيين من مجهودات فردية ووسط أجواء غير مهنية وربما مكبلة للعطاء ومكبلة للإبداع..
وربما لهذا السبب بالتحديد أصبحت عندنا خمس أو ست شركات هي التي تحتكر أو بالأحرى هي التي تقتسم “كعكة” وملايير الإنتاج التلفزي منذ أكثر من 20 سنة..
يقع كل هذا في وقت لم يعد ربما للجنة القراءة أي دور أو لها ربما دور شكلي لتلميع وتزيين صورة هذا “القبح” ليس إلا..
وظني أن واقعا تلفزيا بهذه المحددات يطرح أيضا سؤالا آخر له أهمية بمكان:
ما جدوى طلبات العروض إذا كانت نفس شركات الإنتاج “المدللة” هي التي “تفوز ” في نهاية السباق بهذه العروض؟
وربما لا أبالغ إذا قلت إن البعض من أصحاب هذه الشركات قد يظهرون قريبا على مجلة “فوربس” المختصة في تتبع أخبار الأثرياء والمشاهير في عالم المال والأعمال..
ولن أدخل في بعض التفاصيل حتى لا ندخل في الشخصنة طالما أن قضية إصلاح الإعلامي العمومي هي قضية أكبر استفادة هذا الشخص أو ذاك..
لكن ما هو مؤكد اليوم هو أن هذا “النسيان” الذي طال التلفزيون الرسمي أنتج لنا أيضا ظواهر غريبة حتى أصبحنا ننتج أي شيء ولا يهم أن يبث أو لا يبث..
المهم هو الإنتاج وهو المبالغة في الإنتاج حتى وإن كانت التكلفة باهظة وثقيلة على ميزانية الدولة..
والهدف من غزارة الانتاج دون الحاجة إليه ليس سوى إرضاء أصحاب هذه الشركات الست وعدم إغضابهم لأسباب غير معروفة..
لكن المثير في هذا كله ورغم كل هذا الكم الكبير من البرامج ومن الاعمال التلفزيونية فإن قنواتنا العمومية غير حاضرة في أي نقاش عمومي ولا في أي نقاش خصوصي..
وحتى عندما يتعرض الوطن ورموز الوطن إلى التشهير وإلى الجلد فإن قنواتنا التلفزية تلتزم الصمت كما لو أنها غير معنية بالدفاع عن سمعة الوطن ولا بالدفاع عن رموزه أو عن قضاياه..
كما أننا لم نشاهد يوما ما أي مسؤول من هؤلاء المسؤولين في التلفزيون يتحدث في برامج حوارية عن أي قضية من القضايا التي تهم البلد..
المرة الوحيدة ربما التي خرج فيها مسؤولو التلفزيون إلى الحديث علنا هي يوم جاء وزير جديد بدفاتر تحملات جديدة..
وأقول هذا لأن الدفاع عن الأوطان لا يحتاج فقط إلى أنظمة سياسية وإلى وزراء خارجية وإلى جيوش وإلى حكومات وإلى مؤسسات أمنية وإلى دبابات وإلى طائرات عسكرية فقط..
الدفاع عن الأوطان يحتاج أيضا إلى إعلام عمومي قوي وإلى صحافة قوية مستقلة بخطوط تحرير متعددة وليس إلى تلفزات كثيرة تبدد الأموال الكثيرة في الهواء الطلق على برامج بلا مضمون ولا أحد يشاهدها من المغاربة ولا من غير المغاربة..
وفعلا فالمغاربة يشاهدون اليوم قناة فرانس24 ويشاهدون قناة “روسيا اليوم” ويشاهدون قناة الغد ويشاهدون قناة حميد المهداوي ويشاهدون القنوات الخليجية أكثر مما يشاهدون قنوات هذا القطب العمومي المجمد..
كما أن الدفاع عن الأوطان يحتاج أيضا إلى مسؤولين في التلفزيون يتحدثون ويفهمون لغة بلدهم الأم..
وهذا مشكل آخر يفرمل عملية الإصلاح التلفزي الذي لا زال لم يبدأ بعد..
لماذا؟
بكل بساطة لأن وجود عينة من هؤلاء المسؤولين على رأس التلفزيون المغربي بهذا المسار وبهذه المكبلات هو ربما “هم على هم” لا أقل ولا أكثر..
…
مصطفى الفن