كيف عمَّق فيروس كورونا عدم المساواة في العالم؟

بقلم؛ إيمان خالد.

نعلم جيدًا أن عدم المساواة والتفاوت الطبقي قائمٌ بالفعل في عديد من الدول النامية، بل وفي ازدياد، لكن جائحة كورونا فاقمت وجود تلك التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا المقال إليك خمسة محاور يظهر فيها هذا التفاوت جليًا في جميع أنحاء العالم:

1.الوظائف:
لقد أدت جائحة كورونا إلى تزايد عدم المساواة في العمل، حيث أضرّت سياسات الإغلاق والحظر التي سنتها العديد من الحكومات لقمع انتشار فيروس كورونا بشكل خاص العمّال الفقراء ومحدودي الدخل في البلدان النامية، فعمال كثر يعتمدون على الأجر اليومي والأعمال المتقطعة غير الرسمية، فبالتالي تعرضوا إلى خسارة كبيرة في الدخل بسبب عدم قدرتهم على السفر والقيام بأعمالهم المعتادة، بالإضافة لعدم توافر سبل الحماية والأمان بشأن معاشهم وأرزاقهم.

فكر مثلًا في بائعة متجولة تبيع الخضار في شوارع دلهي، وحينما ضرب الوباء الهند وأصدرت الحكومة تعليمات بالبقاء في المنزل، وجدت تلك البائعة نفسها فجأة بلا عملٍ يرزقها قوت يومها. على الجانب الآخر نجد أن الموظفين والمحترفين كانوا قادرين على العمل من المنزل، فلم يكن للوباء ذات التأثير على الناس من حيث الدخل والأرباح.

ولأن الغالبية العظمى من العمال في البلدان النامية تشتغل في وظائف غير رسمية، فحالهم بعيد تمامًا عن الوصول إلى أنواع الدعم التي يحصل عليها العمال في البلدان الغنية من حكوماتهم، مثل دعم الإجازة، والتسريح المؤقت من الشركات. على الرغم من أن العديد من البلدان النامية قد زادت من تدابير الحماية الاجتماعية في مواجهة الوباء، لكن من الواضح أن هذا لا يكفي، حيث لا تصل هذه الإجراءات إلى غالبية الفقراء.

2.الفقر التكنولوجي:
شجّع الوباء الانتقالَ السريع إلى التغيير الرقمي والتكنولوجيا، واضطرت كثير من الشركات لتبنّي العمل الرقمي وتمكين موظفيها من العمل من المنزل، لتظل أعمالها قائمة -وذلك لم يكن متاحًا من قبل- لكن تلك الدول ذات تعليم جيد وإمكانية جيدة أيضًا للوصول إلى الإنترنت، وبالتالي يستطيع مواطنوها الانتقال إلى العمل عبر الإنترنت عن طريق تقنيات مثل “Zoom” لعقد الاجتماعات الافتراضية.

لذلك، بالنسبة للموظفين في سنغافورة وتايوان سيكون التحول إلى تقنيات الإنترنت نعمة، لكن البلدان التي لا تزال متخلفة في السباق التكنولوجي -بما في ذلك أفريقيا جنوب الصحراء- لن تستطيع مجاراة هذا التحول وستواجه صعوبات.

3.الفجوة بين الجنسين:
بسبب سياسات الإغلاق سيتوجب على كل من الرجال والنساء البقاء في المنزل، ومن الطبيعي أن تعتني النساء بالأطفال وتقوم بالأعمال المنزلية، مما يؤدي إلى توزيع غير متكافئ للواجبات المنزلية داخل الأسرة.

ولأن معظم النساء في أنحاء العالم تشتغل في أعمال مثل البيع بالتجزئة أو الضيافة -والتي تستلزم الحضور- يكون العمل عن بعد غير متاح، لذلك تتضرر النساء بشكل خاص من فقدان وظائفهم الناجم عن الإغلاق.

وأيضًا قد يؤدي إغلاق المدارس ودور الحضانة إلى إجبار النساء على الانسحاب من الحياة العلمية والعملية، فغالبًا ما تكون الفتيات أول من ينسحب من المدرسة أو يتغيبن عن الدراسة في أوقات الضغوط الاقتصادية؛ لأنهن يحللن محل الأمهات العاملات، ومع إغلاق العديد من المدارس أثناء الوباء فإن الفتيات أكثر عرضة لخطر عدم العودة بمجرد الرجوع للدراسة مرة أخرى، وسيؤثر ذلك سلبيًا على تعليمهم، مما بدوره سيحرمهم من فرص عمل مناسبة، ودخل جيد في المستقبل.

4.تصاعد سياسة الحماية الاقتصادية:
لم يقتصر الوضع أن العالم يواجه وباءً عالميًا فحسب، ولكن هذا الفيروس قد هاجمنا في وقتٍ اتّسم بضعف التعاون الدولي على مستوياتٍ عدة، فمن الأمثلة على ذلك: الحرب التجارية الضارية بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى التصريحات العديدة التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي أحبطت هيئات دولية مهمة مثل منظمة التجارة العالمية ومنظمة الصحة العالمية.

فقبل الوباء كان هناك توجه كبير نحو القومية الاقتصادية، حيث رأينا انسحاب دول كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة من التكتلات التجارية الكبرى، وبسبب الوباء فستزداد حدة هذا التوجه أكثر. فزيادة تطبيق الحمائية الاقتصادية في الدول المتقدمة سيغلق الباب في وجه واردات الدول النامية، مما يحرم الأخيرة من فرص تحقيق مكاسب من التجارة العالمية.

فالعولمة هي المحرك الرئيسي لنمو الدخل في شرق آسيا -خاصّةً الصين- في العقود الأخيرة، لكن الحمائية ستحد من قدرتها على تقليل التفاوتات الشاسعة في الدخل بين الأغنياء والفقراء في عالم ما بعد الوباء.

5.الحصول على اللقاح:
ننتظر الوصول إلى لقاح لفيروس كورونا (COVID-19) الذي بمجرد تطويره سنحد من خطر الوباء، ونزيد من سرعة التعافي منه. لكن الحصول على اللقاح سيختلف بين الدول الغنية والفقيرة مما يفاقم قضية عدم المساواة.

فقد نوَّهت منظمة الصحة العالمية لهذا الأمر بمصطلح (قومية اللقاحات) بمعنى أن الدول الغنية هي التي تضخ مليارات الدولارات في الأبحاث وبالتالي سيتم توزيع اللقاحات في الغالب على مواطنيها أولًا.

وقد شهدنا بالفعل معارك ضخمة لشراء وتأمين أدوات وتجهيزات الحماية الشخصية اللازمة للعاملين في مجال الرعاية الصحية، والذين يقفون في الخطوط الأمامية في مواجهة الوباء.

لذا فالدول الفقيرة والنامية ستتكبد تكاليف باهظة (بشرية واقتصادية) إذا آثرت الدول المتقدمة الاحتفاظ بالإمدادات الطبية الأساسية لمواطنيها، وقللت المساعدات والدعم المالي بدلًا من زيادته.

لا ندري إن كان تأثير الوباء من حيث عدم المساواة سيظل محسوسًا في السنوات العديدة القادمة، لكن مواجهة ذلك التفاوت والظلم يعتمد على موقف الحكومات في البلاد النامية إن استطاعت تنفيذ إجراءات منسقة، كتوفير برامج دعم مادي واسعة للعمال الفقراء في المستقبل القريب، أما على المدى البعيد فبناء بنى تحتية وتثقيف وتعليم مواطنيها لمواجهة عالم أكثر تقدمًا تكنولوجيًا.

ويعتمد أيضًا على موقف المجتمع الدولي وقدرته على الاجتماع لتبني طريقة لتخفيف عبء الديون، ومساعدة الدول منخفضة الدخل التي هي في أشد الحاجة إلى التمويل.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *