لماذا تريد روسيا استمرار النزاع في شمال أفريقيا؟

محمد بوبكري

عندما أعلنت الولايات المتحدة اعترافها بشرعية سيادة المغرب على صحرائه، صرح نائب وزير خارجية روسيا بأن هذا القرار يتعارض مع القانون الدولي ومع قرارات الأمم المتحدة. لقد قال هذا الكلام دون تسويغه قانونيا، ما يدل على افتقاره لأي حجة، كما أن المسؤولين الكبار الروس لم يتبعوه في كلامه هذا، ما يؤكد أن كلام هذا الرجل كان مجرد كلام لا قيمة قانونية له ولا عمق سياسي له.

والدليل على ذلك هو أنه لم يكرره مرة ثانية. وللتدليل على صحة ما أقول هو أن اتفاق الصيد البحري بين المغرب وأوروبا تشمل تدخل في إطاره أقاليم الصحراء المغربية، التي تعتبر الجزائر أنه متنازع عليها…

لكن السؤال المطروح هو لماذا صرح نائب وزير الخارجية الروسي بالكلام الذي صرح به؟ هل لأن روسيا تسعى من وراء هذا إلى مجرد إرضاء عابر للجزائر التي تعتبرها حليفا إستراتيجيا لها أم لأن للدب الروسي أيضا مطامع إستراتيجية في شمال أفريقيا ودول الساحل…؟

من المعلوم أن روسيا والجزائر تجمعهما اتفاقية إستراتيجية سبق أن وقعها الطرفان منذ مدة، وتضم التعاون بين البلدين في مجال التسلح والتكنولوجيات والصحة والتعليم… وهذا ما جعل الجزائر زبونا سمينا لروسيا. لقد اختار حكام الجزائر منذ البداية أن يكونوا حليفا لـ »حلف وارسو »، ومن ثمة فقد تحولوا إلى زبون كبير يقتني السلاح والعتاد الحربي الروسيين بملايير الدولارات، إذ تراوحت ميزانية التلسح الجزائرية في الأعوام الأخيرة بين 11 و15 مليار دولار سنويا، لذلك فإن روسيا تريد أن يطول ما يسمى بـ  » النزاع في شمال أفريقيا » حتى تظل الجزائر وحلفاؤها زبناء يقتنون الأسلحة والمنتجات الروسية، مما يدل على أن روسيا تتصرف كتاجر سلاح في المقام الأول، لا يهمها إلا المال ولو كان ذلك على حساب سيادة دول المنطقة، فضلا عن اتخاذ جيوش هذه البلدان درعا واقيا من الحلف الأطلسي في شمال البحر الأبيض المتوسط.

كما أن لروسيا مع حكام الجزائر اتفاقية حول الطاقة، حيث يصدران معا الغاز، إن روسيا تعتبر الجزائر عمقا استراتيجيا لها، حيث ترغب في إقامة قواعد عسكرية في الجزائر ودول الساحل، ما يهدد الأمن القومي للدول الغربية، كما أنها لم تكن راغبة في أن يمر أنبوب الغاز من نيجيريا إلى أوروبا عبر المغرب، حيث كانت تريد أن يمر عبر الجزائر وليس عبر الصحراء المغربية بحجة أنها أرض متنازع عليها. وتفيدنا هذه الأطماع أن روسيا ترفض أن يكون لها منافس جديد يصدر الغاز إلى أوروبا، لأن تلك المنافسة ستنعكس سلبا على عائدات روسيا، حيث قد تبيع نيجيريا الغاز بأئمة أقل من الأثمنة التي يفرضها الروس الذين يشكلون حاليا المسيطر الكبير على سوق الغاز في أوروبا، وهذا يخلص الدول الأوروبية من البقاء تحت رحمتهم، وهم الذين يتحكمون في أسعار الغاز. ويعني ذلك أن مرور أنبوب غاز نيجيريا عبر المغرب سيؤثر على عائدات روسيا من الغاز، حيث ستنافسها. وإذا كانت أسعار غاز نيجيريا مخفضة نسبيا، فقد تقتنيه منها دول أوروبا الشرقية كذلك، ما ينعكس سلبا على روسيا. وهذا دليل أخر على رغبة روسيا في استمرار النزاع في شمال أفريقيا. كما أن موقفها هذا ليس راجعا لاعتبارات إيديولوجية، أو حقوقية بل إنه بدافع مصالح اقتصادية في المقام الأول.

إضافة إلى ذلك، فإن لروسيا مطامع اقتصادية في خيرات دول الساحل، حيث تريد أن تستولي عليها، أو على الأقل، أن تظفر بنصيب منها. لذلك فما يفتعله كل من حكام الجزائر وتركيا وإيران من أحداث إرهابية في دول الساحل راجع إلى رغبتهم في خدمة إستراتيجية روسيا في هذه المنطقة التي قد يستفيدون منها كذلك. كما شجعت روسيا على احتلال حكام الجزائر وتركيا وإيران لجزء من الصحراء الغربية لكل من تونس وليبيا، حيث توغلت الجزائر بخمسين كيلومترا داخل التراب الليبي، وهو ما يعد احتلالا بمنطق القانون الدولي، ومقررات الأمم المتحدة. وقد جعل حكام الجزائر وتركيا وإيران من هذه الأراضي التونسية والليبية التي احتلوها قاعدة خلفية لعملياتهم الإرهابية في كلا البلدين. بالإضافة إلى ذلك، فهم يطمحون إلى احتلال كل من شمال موريطانيا ومالي والنيجير لتطويق المغرب جنوبا وتضييق الخناق عليه، ولو على حساب سيادة هذه البلدان. وهذا ما يدل على أن حكام الجزائر وتركيا وإيران صاروا مجرد خدام يقومون بدور المناولة لصالح روسيا.

وما يدل على بلادة بوقادوم وجنرالات الجزائر أنهم لم يفهموا بعد أن زيارة المستر « ديفيد شنكر » مساعد كاتب الدولة في الخارجية الأمريكية المكلف بشؤون الشرق الأوسط، قد زار المنطقة للاطلاع على العبث الذي يقوم به حكام الجزائر وتركيا وإيران على حدود البلدان المجاورة للجزائر. وكان أحسن رد عليهم هو مشاركته صحبة السيد ديفيد فيشر سفير الولايات المتحدة بالمغرب والسيد ناصر بوريطة وزير خارجية المغرب في تدشين مقر القنصلية الأمريكية في مدينة الداخلة. وبذلك، تبخرت الأحلام التوسعية لحكام الجزائر وتركيا وإيران، وهذا ما لم يفهموه بعد.

هكذا، تكشف هذه العوامل وغيرها الخلفية الكامنة وراء الموقف الروسي من النزاع في شمال أفريقيا الذي تعمل كل مع الجزائر وتركيا وإيران على استمراره…

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *