مآل الإنتخابات بالمغرب ما بعد جائحة كورونا

البشير الحداد الكبير

لقد فضلت الأحزاب السياسية تنظيم الإنتخابات في وقتها سنة 2021،دون أن تراعي الآثار السلبية لفيروس كورونا على المالية العمومية،لاسيما أن الإنتخابات تتطلب نفقات عمومية ضخمة، من خلال هذا المقال سنحاول تسليط الضوء على الأحزاب السياسية بالضبط وكيف ستكون الإنتخابات المقبلة، هل ستشهد مشاركة قوية أم ضعيفة للمواطنات والمواطنين؟ وما هي أسباب ضعف المشهد السياسي الحزبي ؟
للإجابة عن هذه الأسئلة، اعتمدنا التقسيم التالي:
المبحث الأول: تحديات الأحزاب السياسية في الوضعية الراهنة

إن جائحة كورونا أظهرت أن الأحزاب السياسية لم ترقى إلى المستوى المطلوب خصوصا أنها فكرت في تنظيم الإنتخابات في السنة المقبلة ولم تقدم حلولا ناجعة لتجنيب المغرب الآثار السلبية لجائحة كورونا،ويمكن أن نجد سببا في ذلك إنطلاقا من النقط التالية:

+ »عقم التعددية الحزبية » :كما هو معلوم أن المغرب أخذ بنظام التعددية الحزبية منذ الإستقلال إلى يومنا هذا وتم إقرار ذلك في جميع الدساتير المتعاقبة منذ 1962 إلى غاية 2011(1)، لكن الأحزاب السياسية ميعت هذه التعددية،بحيث أخذت في التناسل إما من فراغ أو من خلال اللجوء لآلية الإنشقاق،إلى الحد الذي أصبحت هذه التعددية تشكل عبئا على الحياة السياسية، ففي إطار هذه التعددية، صارت الأسماء والألوان والرموز تتكدس إلى الحد الذي أصاب هذا الجانب من الحقل السياسي بالتخمة والتضخم،وهو ما لا يمكن إعتباره ظاهرة صحية بقدر ما يعتبر تجسيدا لأزمة وعي وسلوك وثقافة وقيم.
يوجد في المغرب 38 حزب، هل في ظل أزمة كورونا تم تقديم 38 من المقترحات والمشاريع الناجعة لتجنيب المغرب تداعيات هذه الجائحة؟
إن التعدد الضروري للبناء الديمقراطي والمفيد للتنمية والتقدم هو الذي ينطوي على تعدد حقيقي في الإجتهادات والتصورات السياسية، بحيث يكون الهدف من تأسيس حزب جديد هو تقديم برامج واقتراحات جديدة مغايرة لما تطرحه الأحزاب القائمة، وهذا يدخل في إطار التنافس المشروع الذي يعطي أفكار جديدة ويشجع على الإبتكار ويخلق الدينامية التي تفتح باب التطور(2).
ومن العيوب التي تسيئ للتعددية نجد تفاقم النزعة الإنشطارية داخل الأحزاب السياسية والتي لا يوجد ما يبررها، في غالب الأحيان، سوى ضعف الحوار أو انعدامه،والعجز عن التدبير الديمقراطي للإختلاف الطبيعي في الآراء وطغيان نزعة الإقصاء، في حين أن المطلوب في العمل الحزبي هو أنه بدل سيادة لغة الإقصاء والتهميش، يجب أن تسود ثقافة الإختلاف التي تعتبر ركنا أساسيا من أركان التدبير المجتمعي(3).
كما نلاحظ أن التعددية المفرطة ساهمت في تمييع الخطاب السياسي، الذي أصبح شعبويا بإمتياز،كما نشاهد تشابه الخطابات والبرامج بين الأحزاب السياسية.
إن التعددية بالمغرب ليست تعددية حزبية وإنما تعددية سياسية،بل أن جل الأحزاب السياسية تمتلك إيديولوجيا واحدة وخطاب واحد متشابه، بحيث لدينا تعددية في الطموحات السياسية.

+ »غياب المقاربة الإستراتيجية » : يعتبر نجاح الإنتقال الديمقراطي مرتبطا بوضوح الرؤية والتصورات والآليات وإجراءات التنفيذ، لكن الأحزاب السياسية بالمغرب تفتقر للتخطيط الإستراتيجي والبرامج الحزبية والإنتخابية الحقيقية،كما أن عدم وضع إستراتيجيات نجد أساسه في هشاشة التحالفات وعدم خضوعها لمنطق عقلاني، الأمر الذي أثر سلبا، بحيث لا نجد برامج سياسية منسجمة ورؤى إصلاحية موحدة.

+ »ضعف الأداء »: كما قال ماكس فيبر كل ممارسة سياسية هي بحث دائم عن السلطة أو طموح إليها(4)،وقد حدد دستور 2011 في فصله السابع وظيفة الأحزاب السياسية،كما صارت شرعية الحزب السياسي، في العالم المعاصر، تستمد بالأساس من كونه قوة إقتراحية قادرة على مد النظام السياسي بنخب جديدة ومجددة،مثلما يبرز حضوره في درجة تعبئته للمواطنين والدفاع عن قضاياهم(5).
في ظل ازمة كورونا، شاهدنا غياب الأحزاب السياسية، وكذلك لاحظنا أنها عوض أن تقترح الحلول الفعالة لإنقاذ المغرب من تداعيات فيروس كورونا،قامت بتبني مشروع قانون 22.20 (أقصد الأحزاب المشكلة للحكومة) وبعدها خرجت بتصريحات حزبية ضد المشروع قانون مما جعلها محطة سخرية وشكلت عبثا سياسيا حقيقيا لأنها كانت حاضرة في المجلس الحكومي وصادقت على المشروع قانون 22.20 وبعدها خرجت ببيانات حزبية تستنكر وتهاجم الحكومة،بل أكثر من ذلك لاحظنا الحزب الذي يقود الحكومة (العدالة والتنمية) هو كذلك تبرأ من هذا المشروع قانون، كيف ذلك؟ وفي ظل أزمة لاحظنا غياب الأحزاب السياسية عن المساهمة الإيجابية في مواجهة جائحة كورونا، لاحظنا أن هذه الجائحة تم تدبيرها بحكامة من طرف « التكنوقراط » والقطاع الخاص وهذا ما لاحظناه من خلال لجنة اليقظة الاقتصادية التي سهرت بشكل جيد على تدبير أزمة كورونا، بالإضافة إلى بعض الوزراء الذين برزوا بقوة هم في الأصل تكنوقراط لكنهم تحزبوا.
وأمام هذا الوضع أصبحت النخبة السياسية تعاني من نقص كبير في الثقة والإعتبار، وأصبح المواطن ينظر للأحزاب السياسية بمنظر الريبة والتشكك بل وحتى التحقير.

+ »أزمة المشاركة السياسية » :المشاركة السياسية هي فعل طوعي يستهدف التأثير على انتقاء السياسات العامة وإدارة الشؤون العامة وإختيار القادة السياسيين على أي مستوى حكوميا، محليا كان أم وطنيا (6).
تعتبر المشاركة السياسية إحدى آليات إضفاء المشروعية على النظام السياسي، بحيث تقوي من مرتكزاته الشعبية، لكن يظهر في المغرب، أن هناك عزوف سياسي، فظاهرة الإبتعاد عن السياسة والتي تنجم عنها المقاطعة للإستحقاقات الإنتخابية، ترتبط بالتصور المهيمن بخصوص السياسة على اعتبار أنها ليست إلا مجالا واسعا للتسويات وتبادل الخدمات بين الشركاء. فالسياسة تظهر على هذا المستوى بمثابة آلية للترقي لفائدة من يمارسونها وليس كعمل جماعي يهدف إلى تحقيق مصالح وطنية.
أصبحنا نلاحظ انعدام عنصر الثقة للمواطنات والمواطنين تجاه الفاعلين السياسيين، بل أكثر من ذلك نجد عدم ثقة أعلى سلطة في البلاد في السياسيين، وهو ما عبر عنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في خطاب العرش المجيد لسنة 2017 إذ قال بصريح العبارة: »… وإذا أصبح ملك المغرب غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسك ولا يثق في عدد من السياسيين فماذا بقي للشعب؟ … ».

المبحث الثاني:آفاق المشهد السياسي وتأثيره على الإنتخابات

في عز أزمة كورونا، فضلت الأحزاب السياسية الدخول في السباق الإنتخابي، عبر تلميع صورة حزب وتشويه سمعة حزب آخر، بحيث تستعمل مختلف الوسائل بما فيها وسائل التواصل الإجتماعي التي أصبحت من الوسائل المؤثرة على الرأي العام، كان من المفروض أن تتبنى أفكارا جديدة ومقترحات للنهوض بالأوضاع الاجتماعية والإقتصادية ما بعد جائحة كورونا، ولتجاوز هذا الخلل الذي تعاني منه الأحزاب السياسية، نقترح أن تنهج التدابير التالية لكي تكون النتائج إيجابية على الإنتخابات:

+ « التأهيل السياسي »: حتى يتسنى لها الإرتقاء إلى المستوى المطلوب،ينبغي على الأحزاب السياسية تعزيز الديمقراطية الداخلية، فالمفروض أن تكون الأحزاب نموذجا ومثالا لإحترام قواعد الممارسة الديمقراطية بحيث تكون قنوات الترقي في الهرمية التنظيمية للحزب مفتوحة أمام كل الطاقات وغير مقتصرة على أصحاب المال والقرابة، بل أكثر من ذلك أن تكون مفتوحة في وجه الشباب خاصة، إذ نلاحظ أن جلالة الملك أعزه الله في خطاب العرش لسنة 2018 أكد على هذا المعطى بحيث دعى إلى إستقطاب الشباب، حيث اعتبر جلالته حفظه الله أن شباب اليوم هم الذين يعرفون مشاكل ومتطلبات اليوم،كما يجب أن تكون الإنتخابات الدورية والمؤتمرات العامة الآلية الأساسية لتجنيد النخبة القيادية في الحزب، وكذا في عزلها وإحلال نخبة أخرى محلها، بالإضافة إلى تحديد التوجهات العامة للحزب، وبالتالي ينبغي القطع مع العقلية القديمة للأحزاب السياسية والتعامل مع روح وفلسفة دستور 2011، لأننا نلاحظ أن الطابع المهيمن على الأحزاب هو جمود بنياته الداخلية، فمن يوجد في القواعد السفلى لا يستطيع الوصول إلى الأجهزة القيادية، إن الجمود الذي تعاني منه الأحزاب السياسية يحكم على آلاف من المناضلين بالبقاء في الظل، الأمر الذي يتسبب في تعطيل كفاءاتهم وقدراتهم، وهو ما يعتبر خسارة للدولة والمجتمع ككل وليس للأحزاب فقط،لهذا السبب يجب على الأحزاب السياسية أن تغير عقليتها وتغير نمط إشتغالها وأسلوبها كما نادى بذلك جلالة الملك أعزه الله في خطاب العرش لسنة 2018،وأن تعطي الفرص للشباب وللكفاءات في مراكز القيادة.

+ »تعزيز التواصل السياسي » :إن غياب التواصل المستمر للأحزاب مع المواطنات والمواطنين أدى إلى انعدام عنصر الثقة، وأصبحت الصورة النمطية المتداولة في ذهن كل مواطنة ومواطن أن الأحزاب السياسية تتواصل فقط في زمن الإنتخابات لتقنع المواطنات والمواطنين بالتصويت لصالحها، بل أكثر من ذلك نجد أن جلالة الملك أعزه الله خصص خطابا كاملا للحديث عن المشكل الذي تعاني منه الأحزاب السياسية، وذكر ضعف التواصل السياسي، إذ يعتبر خطاب العرش لسنة 2017 خطابا تاريخيا بإمتياز،حيث قال جلالته: »… إن بعض الأحزاب تعتقد أن عملها يقتصر فقط على عقد مؤتمراتها، واجتماع مكاتبها السياسية ولجانها التنفيذية، أو خلال الحملات الانتخابية.
أما عندما يتعلق الأمر بالتواصل مع المواطنين، وحل مشاكلهم، فلا دور ولا وجود لها. وهذا شيئ غير مقبول، من هيآت مهمتها تمثيل وتأطير المواطنين، وخدمة مصالحهم… « ،وبالتالي ينبغي على الأحزاب السياسية تدارك الأمر والإستفادة من الخطب الملكية السامية، بحيث يجب عليها أن تتبنى خطابا واقعيا صريحا غير شعبوي وبعيدا عن الوعود الوهمية، وكما قال جلالة الملك أعزه الله في خطاب افتتاح البرلمان لسنة 2014: »… »إن الخطاب السياسي يقتضي الصدق مع المواطن، والموضوعية في التحليل، والاحترام بين جميع الفاعلين، بما يجعل منهم شركاء في خدمة الوطن، وليس فرقاء سياسيين، تفرق بينهم المصالح الضيقة… « .
وتجدر الإشارة أن المؤسسة الملكية تسعى جاهدة لإصلاح الأحزاب السياسية، وهو ما نستشفه من العديد من الخطابات الملكية السامية، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، خطاب العرش لسنة 2000،خطاب افتتاح البرلمان في نفس السنة، خطاب افتتاح البرلمان لسنة 2002،خطاب العرش 2017،خطاب العرش 2018،خطاب افتتاح البرلمان 2018،خطاب العرش 2019.
خلاصة:
رغم التحديات التي تعاني منها الأحزاب السياسية، يمكنها تغيير المعادلة بإمتلاك إرادة حقيقية في الإصلاح حينها ستحظى بثقة المواطنات والمواطنين مما سينعكس إيجابا على الإنتخابات المقبلة من خلال التقليص من نسبة العزوف السياسي، إذ ينبغي على الأحزاب السياسية ألا يكون همها الفوز في الإنتخابات والوصول إلى السلطة، بحيث ينبغي أن يكون هدفها الأساسي إنتاج نخب ذات كفاءة عالية تساهم بالدفع بالمغرب إلى مصاف الدول المتقدمة،وسنتختم بمقتطف من الخطاب الملكي السامي لجلالة الملك حفظه الله: »…ومن هنا، فإن الانتخابات المقبلة، لا ينبغي أن تكون غاية في حد ذاتها. وإنما يجب أن تكون مجالا للتنافس السياسي، بين البرامج والنخب. وليس حلبة للمزايدات والصراعات السياسوية.
إننا نعتبر أنه ليس هناك فقط، فائز وخاسر في المعارك الانتخابية، بل الكل فائز. والرابح الكبير هو المغرب. لأن حتى من لم يحظوا بثقة أغلبية المواطنين، فإنهم يساهمون بمشاركتهم، في تعزيز دينامية المؤسسات المنتخبة.
كما يجب عليهم أن يشكلوا المعارضة البناءة، ويقدموا البدائل الواقعية، التي تؤهلهم للتناوب على تدبير الشأن العام.
أما الخاسر الأكبر، فيمثله الذين يعتبرون أن مقاعدهم ريعا، أو إرثا خالدا إلى الأبد. فإذا لم ينجحوا في الانتخابات يقولون بأنها مزورة. وإذا فازوا يسكتون، مستغلين نزاهتها للوصول إلى تدبير الشأن العام… « .
الهوامش:
1-ظهير شريف 1-11-91 الصادر بتنفيذ دستور 2011، بتاريخ 29 يوليوز 2011،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر،بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة: 3600.
2-عبد القادر العلمي، » في الثقافة السياسية الجديدة »،منشورات الزمن، العدد 47-2005،الصفحة: 210.
3-محمد زين الدين، « الفعل الحزبي بالمغرب وسؤال الديمقراطية »، مسالك في الفكر والسياسة والإقتصاد، العدد 3-2005،الصفحة: 54.
4-محمد شقير، « القرار السياسي في المغرب »، دار الألفة، الطبعة الأولى، 1992،الصفحة: 54.
5-محمد زين الدين، مرجع سابق، الصفحة: 52.
6-ثامر محمد كامل، « إشكاليتا الشرعية والمشاركة وحقوق الإنسان في الوطن العربي »، مجلة المستقبل العربي، العدد 251-يناير 2000،الصفحة: 11.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *