ما بين الإدانة و العتاب اسبانيا تفقد أوراق ضغطها على المغرب

علي الغنبوري

المتتبع الجيد للازمة الأخيرة بين المغرب و اسبانيا ، يدرك جيدا ، ان اسبانيا لا تقبل ان تطول هذه الأزمة ، فهي تقدر جيدا الانعكاسات المؤثرة و الخطيرة لهذه الأزمة على كل الأصعدة (الأمنية ، الاقتصادية و السياسية )، و لا يمكنها الصبر على حالة الابهام و الغموض التي فرضها عليها المغرب ، لهذا فهي تريد ان تنهي هذه الأزمة باي ثمن ، و تريد ان يعود المغرب الى سابق عهده .

هذا التوجه ظهر منذ اليوم الاول للازمة ، حيث بدت تصريحات المسؤولين الاسبان اكثر جنوحا للتهدئة و الى التمسك بالشراكة مع المغرب، و هو ما قابله المغرب بالاصرار على توضيح الموقف من التأمر الاسباني على مصالحه و وحدته الترابية.

ثبات المغرب على موقفه الرافض للطي الساذج لصفحة الخلاف ، سيجعل اسبانيا تتجه إلى تغير خطابها و محاولة استغلال بعض الاوراق التي تملكها للضغط على المغرب في إطار انهاء الخلاف و العودة إلى العلاقات الطبيعية بينهما .

توجه اسبانيا للضغط على المغرب، سيقودها الى استعمال الورقة الوحيدة التي تمتلكها، حيث سعت جاهدة لاستصدار اي موقف تضامني معها من مؤسسات الإتحاد الأوروبي ، يجعل الأزمة ممتدة الى كامل التراب الأوروبي ، و تصوير المغرب كتهديد لدول الاتحاد بكاملها ، و هو ما يخفف الضغط عنها و يلقي بكرة النار في ملعب المغرب الذي سيجد نفسه في مواجهة أوروبا بكاملها ، مما سيدفعه الى القبول بعودة العلاقات الى طبيعتها مع اسبانيا .

هذا السعي الاسباني للضغط على المغرب ، سيصطدم باختلاف المصالح الأوروبية الداخلية ، و بالاستراتيجية التواصلية المحكمة التي قادتها الدبلوماسية المغربية خلال الاسابيع الماضية في مختلف العواصم الأوروبية ، لشرح الموقف المغربي و توضيح حقيقة الأزمة مع اسبانيا بالادلة و الوثائق .

الضربة القاضية لمساعي اسبانيا لتوريط المغرب ، ستأتي من قرار جلالة الملك ، القاضي بالتعاون مع دول الاتحاد الاوروبي من اجل ارجاع القاصرين المغاربة إلى البلاد ، هذا القرار سينزع من اسبانيا كل اسلحتها و كل اوراقها ، و سيجعل المغرب شريك حقيقي للاتحاد الاوروبي ، و سيعزز من موقعه و من قدرته على اجهاض مخططات اسبانيا ، و يبقي الأزمة في مربعها الاول .

الفشل الاسباني سيظهر مرة أخرى ، في عدم قدرة الدولة الأيبيرية في استصدار قرار إدانة المغرب من طرف البرلمان الاوروبي في ملف القاصرين ، حيث جاء القرار على شكل عتاب للمغرب ، و تخللت فقراته تهنئة على مجهوداته المبذولة بخصوص الهجرة و خاصة ملف القاصرين .

الادهى من ذلك ، ان هذا الفشل الاسباني ، بين للجميع مدى الإفلاس السياسي الذي وصلته اسبانيا و خضوعها لمنطق اليمين المتطرف الذي قاد حملة إدانة المغرب في البرلمان الاوروبي ، وهو ما يطرح تساؤلات عميقة حول التوجهات السياسية لهذا البلد و مدى تماشيها مع الطموحات و التوجهات الأوروبية المتخوفة من صعود اليمين المتطرف و هيمنته على السياسة الخارجية للاتحاد .

تفوق المغرب و قدرته على كسب فصول هذه الأزمة ، ينبع من عدالة قضيته و من موقفه القوي المسنود من مختلف مكونات الشعب المغربي ، و من احترامه لالتزاماته اتجاه شركائه ، و من قدرته كذلك على إثبات التورط الاسباني في التأمر على مصالحه .

ما يجب ان تفهمه اسبانيا ، هو ان المغرب اصبح قادرا على الدفاع عن مصالحه و الرد على التأمر عليه ، و ان تجاوز الأزمة لن يحصل إلا بالاجوبة الصريحة على كل ما يطرحه المغرب و على تقديم الضمانات الكافية لتثبيت الشراكة بينهما بما يضمن احترام مصالح المغرب و وحدته الترابية .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *