محمد البوبكري يكتب: مازوشية « البوليساريو » و نهاية النهاية

محمد بوبكري

عندما تمكنت القوات المسلحة الملكية المغربية من إعادة فتح معبر الكركرات الرابط بين المغرب وموريطانيا الذي يتم استعماله لتدفق الأشخاص والبضائع من المغرب وأوروبا إلى الكثير من البلدان الأفريقية، لاذت ميليشيات البوليساريو بالفرار وعلى رأسها زعيمها المدعو « إبراهيم غالي ». وبعد فرار هذا الأخير وميليشياته، تم استدعاؤه بأمر من جنرالات الجيش الجزائري. وعوض مواساته وطمأنته نتيجة هزيمته وهزيمة أسياده، كان منهم أن أشبعوه شتما وبصقا ورفسا. ومن فرط انفعال أحدهم، فقد استل مسدسه ووجهه نحو رأس إبراهيم، وهو ساقط فوق الأرض بسبب ما تعرض له من تعنيف، حيث كان هذا المرتزق قاب قوسين أو أدنى من الموت. ترى، لماذا ارتكب هؤلاء الضباط هذا الجرم في حق عبدهم وخادمهم إبراهيم؟

لقد اتهموه بكونه بليدا سياسيا، فقالوا له: « لقد كان عليك أن تقتل الأطفال والنساء والشيوخ وتذبحهم وتمثل بجثثهم حتى تتوفر لنا حججا ملموسة تمكننا من إدانة الجيش المغربي دوليا، لكنك لم تفعل، فضيعت علينا الفرصة. فلو فعلت ذلك لكان في إمكاننا تشويه صورة المغرب وهزمه إعلاميا، الأمر الذي كان سيجلب لكم تعاطف الرأي العام الدولي، ويمكننا من عزل المغرب دبلوماسيا وهزمه سياسيا في مختلف المحافل الدولية ».

بداية، لقد تألمت لتعنيف هذا المرتزق من قبل هؤلاء الضباط المجرمين الذين باعوا له ولزملائه الأحلام والأوهام، وأضلوهم عن السبيل. كما أن سلوكهم الشنيع هذا يدل على حقيقة ممارستهم للعنف باستمرار على المغاربة المحتجزين في تندوف، حيث لا يهمهم إبراهيم ولا جماعته، لأنهم احتجزوهم جميعا لتحقيق مصالحهم والمصالح الإستراتيجية لأسيادهم الذين يوظفونهم لتحقيق أهدافهم في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.

يفيدنا الكلام الذي وجهه هؤلاء الضباط الجزائريين إلى المدعو إبراهيم أن النظام العسكري بالجزائر وضباطه عاجزان عن مواجهة المغرب وقواته المسلحة الملكية، ما يعني أن فساد جنرالات الجزائر المتسلطين على شعبها جعل النظام هناك يعيش أزمة سياسية داخلية، اقتصادية، مالية واجتماعية، أصابته بوهن جعله يشعر بضعفه أمام المغرب…

لذلك، لم يعد ضباط الجيش الجزائري يرون منقذا لهم سوى الدفع بالمدعو إبراهيم وميليشياته لذبح وقتل أطفال ونساء وشيوخ إخواننا المغاربة المحتجزين في تندوف لممارسة دعاية مغرضة كاذبة خسيسة ضد الجيش المغربي والدولة المغربية، اللذان اتخذا كل احتياطاتهما للدفاع عن الوطن عبر نهج أسلوب متحضر وصارم لإعادة فتح معبر الكركرات. هكذا، فإن النظام العسكري الجزائري هو نظام دموي مخاتل لا قيم أخلاقية له، والتوهم وحبل الكذب القصير سرعان ما ينتهيان بانتحار صاحبهما… كما أن هذا النظام مستعد لارتكاب أي جريمة بغية هزم المغرب الذي تأكد أن جنرالات الجيش الجزائري يحقدون عليه بشكل مَرَضي، لأنه يشكل عائقا في وجه بسط هيمنتهم على منطقة شمال أفريقيا التي يرغبون في توظيفها لخدمة المصالح الإستراتيجية لروسيا في الشرق الأوسط وأفريقيا في آن واحد.

وأتمنى أن تشكل ممارسة ضباط الجزائر درسا للمدعو « إبراهيم غالي » وزبانيته؛ فقد أوهموا هذا المرتزق بأكذوبة انفصال الصحراء المغربية عن وطنها الأم، فأصبح يرى نفسه رئيسا لهذه الدولة، لكنهم حولوه، في واقع الأمر، إلى عبد في كنفهم يفعلون به وبجماعته ما يشاؤون، حيث أجازوا لنفسهم سبه وشتمه وإشباعه صفعا ولكما وركلا، كما هددوه بقتله عبر إطلاق النار عليه وتحويله إلى العدم، ويرجع سبب نهج ذلك الأسلوب الوحشي معه، إلى أنه لم يقتل أطفال ونساء وشيوخ المخيمات لتمكينهم من النيل من سمعة المغرب.

لقد كان ممكنا أن يموت المدعو « إبراهيم غالي » في تلك اللحظة، ويتم تعويضه بسهولة بمرتزق آخر يحل محله ويقوم بوظيفته القذرة. فهم لا يترددون في إزاحة كل من يتردد في خدمتهم، حتى ولو كان من بين زملائهم الضباط في الجيش الجزائري، حيث سبق أن اعتقلوا بعضهم، وغادر الجزائر كل الضباط الذين اكتشفوا أن موازين القوى لم تكن لصالحهم، وشعروا بأنهم كانوا مهددين في حياتهم، فتركوا البلاد. كما أن جنيرالات الجزائر قاموا بتعيين رؤساء الدولة الجزائرية، وكلما برزت خلافات معهم، يلجؤون إلى اغتيالهم، أو إبعادهم… ويعود ذلك إلى أن هؤلاء الجنيرالات مهووسون بالسلطة والمال، ما يدل على أن الصراع على السلطة والمال شكلا دوما السببان الرئيسيان للصراعات بينهم.
لذلك، فعلى المدعو « إبراهيم غالي » ومن معه أن يتعظوا، ويعلموا ألا قيمة لهم أمام الأوليغارشية العسكرية التي تمسك برقابهم وتتحكم بقبضة من حديد في جزائر اليوم، وأن يفهموا ألا مستقبل لهم مع هؤلاء الضباط المتوحشين. فهم يغتالون رؤساء الجزائر الصوريين، أو يغيرونهم كما يحلو لهم. كما أنهم يساندون البوليساريو لنهب أموال الشعب الجزائري باسم متطلبات هذه « الجبهة » الوهمية التي يرغبون في توظيفها خدمة لمصالحهم التوسعية في المنطقة. وقد أصبح الشعب الجزائري يعبر عن رفضه تحمل أعباء نفقات البوليساريو التي كادت تخنق أنفاس الجزائريين، خصوصا مع انخفاض عائدات الغاز، ما جعل الجزائر تعيش اليوم ضائقة مالية كبيرة.

ولا تتوقف جريمة جنرالات الجزائر ومليشيات « البوليساريو » عند هذا الحد، حيث تخبرنا تقارير الاتحاد الأوروبي أنهما ينهيان كل الدعم الذي تقدمه هذه المنظمة الأوروبية إلى المغاربة المحتجزين في تندوف. وقد قام طبيب إسباني بتعرية الواقع الصحي في مخيمات تندوف، حيث تحدث عن افتقار مستوصفات هذه المخيمات إلى المعدات والتجهيزات والأدوية، وفسر بأن الاتحاد الأوروبي يقدم دعما طبيا للمخيمات، لكن ضباط الجزائر وزعامات مليشيات « البوليساريو » ينهبون كل شيء. أضف إلى ذلك أن المغاربة المحتجين في تندوف يموتون جراء جائحة كورونا، ولا من يساعدهم على محاربة هذا الوباء… ولم يعد يخفى على أغلب المتتبعين والمهتمين أن أفراد زعامة البوليساريو قد أثروا ثراء فاحشا من نهب أموال المحتجزين، حيث اقتنوا عقارات وأسسوا شركات ومحلات تجارية كل من إسبانيا وكوبا والولايات المتحدة الأمريكية، علما بأنهم جوعوا المغاربة المحتجزين في تندوف، ولا يتوقفون عن محاصرتهم والتنكيل بهم…

ونظرا لكون الشعب الجزائري يعاني من ضائقة العيش، وأصبح يعي أن ذلك راجع إلى تمويل جنرالات الجيش لمليشيات البوليساريو وفساد قيادة الجيش التي تنهب خيرات البلاد واتخذت تمويل مليشيات « البوليساريو » ذريعة للتغطية على نهبهما لأمواله، فمن المحتمل جدا أن تحدث انتفاضات للشعب الجزائري ضد تسلط حكامه، ما قد يشكل سببا ضمن أسباب أخرى قد تؤدي إلى العصف بحكام الجزائر و »البوليساريو » وترك مليشيات هذا الأخير عرضة للتشرد والضياع، بل أشلاء على جنبات الطرق وفي كل محطات الطرق والقطارات….

وإذا كان المدعو إبراهيم غالي يقبل ما مورس عليه من عنف، فإنه يكون قد تحول إلى مازوشي يتلذذ بالتعذيب ويطيع من يعذبه. وهذه ظاهرة مرضية تتعارض جذريا مع ثقافة عزة النفس والحرص على كرامتها واحترام الذات لذاتها، التي تشكل جوهر الثقافة الأصيلة للمغاربة سكان الصحراء. وبذلك، فإن إبراهيم قد اختار العبودية، لأن جنرالات النظام الجزائري استطاعوا تحويله هو وجماعته إلى مجرد قطيع في ملكيتهم، فحولوهم إلى رهائن تحت أحذيتهم يعتقدون أن لهم حق التصرف في حياتهم كما يشاؤون… هكذا، فإن ضباط الجزائر يحتقرون المدعو إبراهيم غالي وجماعته، لأنهم ورطوهم ويعلمون ألا مهرب لهم منهم إذا حاولوا الإفلات من قبضتهم. وإذا كان إبراهيم لا يعي ذلك، فإنه لا يدرك أن من طلب منه اغتيال ذويه هو قادر على قتله هو نفسه، بل إنه يعتبر قطيعا من الماعز في ملكيته، حيث لا تهم هؤلاء الجنرالات أرواح المحتجزين المغاربة ولا أرواح مليشيات « البوليساريو »، بل ما يهمهم هو تسخيرهم لخدمة استراتيجيتهم في شمال أفريقيا.

وإذا كان حكام الجزائر يؤمنون فعلا بما يقولونه، فلماذا يرفضون تمكين المغاربة المحتجزين في مخيمات تندوف، من حق تقرير مصيرهم بين البقاء في هذه المخيمات أو العودة إلى وطنهم المغرب؟ وما دام غالي وأصحابه يعرفون هذه الحقيقة الساطعة، لأنهم يشاركون ضباط الجزائر في قمع هؤلاء المحتجزين، فقد تحولوا إلى سجاني مُحتجزي تندوف ومعذبيهم …

لقد قام الاتحاد الأوروبي مؤخرا بإدانة خروقات حقوق الإنسان في الجزائر على يد ضباط الجيش الجزائري. ومادام الأمر كذلك، فإن المحاولة العبثية التي يقوم بها النظام الجزائري ضد المغرب في مجال حقوق الإنسان قد اكتشف زيفها.

واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا بشرعية سيادة المغرب على صحرائه، ستليه لا محالة اعترافات دول أخرى كثيرة، ما يعني أن ما يسمى بـ « مشكلة الصحراء الغربية » قد تم طي صفحتها، فأصبحت في خبر كان. لذلك، قريبا سيأتي يوم تُسحَبُ فيه هذه التسمية من قاموس المنظمات الدولية والجهوية، وسيكون ذلك سببا في رحيل حكام الجزائر وتفتت مليشيات « البوليساريو » التي يرى بعض المحللين أنها قد تتحول إلى جماعات إرهابية، على غرار ما حدث لبعض جماعات الإسلام السياسي في أفغانستان، حيث قد يعيد التاريخ نفسه ضمن شروط مغايرة. وإذا انزلقوا إلى احتراف الإرهاب، فسيكون ذلك هو نهاية النهاية.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *