محمد بوبكري
يدعي حكام إيران وتركيا والجزائر أن المغرب تنازل عن القضية الفلسطينية مقابل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بشرعية سيادته على صحرائه. لكن لماذا يوجه هؤلاء الحكام هذه التهمة الباطلة إلى المغرب؟ ألا يقومون بهذه الدعاية الخسيسة للتضليل من أجل إخفاء علاقاتهم السرية مع إسرائيل؟
يرى السياسيون والمتتبعون والإعلاميون أن ادعاءات هؤلاء الحكام هي مجرد كذب وتدليس، حيث إن لحكام إيران علاقات مع إسرائيل، لأن قنوات التواصل السرية بينهم وبينها لم تنقطع، وما تزال مستمرة إلى اليوم. فإيران تعاني من حصار اقتصادي خانق، ما جعلها تتودد سرا عارضة قبول التعامل علنا مع إسرائيل شريطة تدخل هذه لدى القوى الغربية العظمى لرفع الحصار عنها. أما بالنسبة لتركيا، فتعود علاقتها مع إسرائيل إلى سنة 1949، وما تزال قائمة إلى اليوم، كما أن رقم معاملاتها التجارية معها قد صار خياليا.
وقد صرح مؤخرا الرئيس التركي الطيب رجب أردوغان متملقا الرئيس الإسرائيلي بنيامين ناتنياهو قائلا: “إن تركيا ترغب في إقامة علاقات أفضل، مما هو قائم الآن مع إسرائيل”، ما يعني أن رئيس تركيا مستعد للتنازل أكثر، شريطة أن يتدخل له نتانياهو لدى زعماء القوى العظمى حتى لا يفرضوا عليه حصارا قد يخنقه، لأنه كان حليفا لهم، واكتشفوا أنه يتآمر ضد الأمن القومي للبلدان الغربية مع خصومها. وقد كتب بعض المسؤولين السياسيين مقالات تعري خيانة رجب أردوغان وكذبه ونفاقه، وخلصوا إلى أن تملق الرئيس التركي لإسرائيل لن يشفع له في أي شيء، حيث سيعيش قريبا في عزلة تامة.
إضافة إلى ذلك، فالعلاقات السرية لحكام الجزائر مع إسرائيل لم تنقطع يوما، وما يزال التواصل السري بينهما قائما بإلحاح من الجانب الجزائري. فقد التقى عبد العزيز بوتفليقة، الذي فرضه جنرالات الجيش رئيسا للجزائر، بيهود باراك في الرباط في جنازة الملك الراحل المرحوم الحسن الثاني، وتكررت اللقاءات بين المسؤولين الجزائريين والمسؤولين الإسرائيليين في بلدان أوروبية عديدة، حيث لم تتوقف هذه اللقاءات إلى اليوم، كما أن الجزائر تبيع الغاز إلى إسرائيل بسعر رمزي عن طريق مصر، وما تزال هذه التجارة مستمرة إلى يومنا هذا. أضف إلى ذلك أن المسؤولين الجزائريين قد عبروا سرا للإسرائيليين عن رغبتهم في تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل، قبل استئناف المغرب علاقته مع إسرائيل، مقابل حصول الجزائر على 23 مليار دولار من دول الخليج العربي واعتراف إسرائيل بجبهة البوليساريو المغرب على صحرائه، لكنها فشلت في تلك المقايضة.
وعلى عكس الممارسات السرية لهؤلاء الحكام، فإن المغرب ما يزال وفيا بالتزاماته تجاه الشعب الفلسطيني، ولم ولن يتغير، أو يغير هذه الالتزامات حتى إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية يُمَكِّن الفلسطينيبن من أن تكون لهم دولتهم المستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، في حين تتبجح الجزائر بدفاعها عن فلسطين وهي لا تتوفر على مكتب تمثلي ولا على سفارة جزائرية في فلسطين. وأتمنى ألا تتدخل تركيا وإيران في دولة فلسطين مستقبلا عبر تمويل “حماس” لمواجهة الفصائل الأخرى، ما سيجعل من حركة حماس “حزب الله” آخر تحتل به إيران فلسطين، على غرار ‘’حزب الله” اللبناني. أتمنى ألا يحدث ذلك. لكن إيران وحلفاءها لن يهدأ لهم بال حتى يضربوا الوحدة الوطنية الفلسطينية التي يبدو أنها ما تزال تتعثر بفعل تدخل هؤلاء الحكام الناجم عن كراهيتهم للشرعية السلطة الفلسطينية ورفضهم لها، حيث لم تجد الوحدة الفلسطينية بعد تجد طريقها إلى التحق…
تؤكد هذه المعطيات أن العلاقات بين الأمم يحكمها منطق المصالح. لذلك، نجد أن حكام الجزائر وتركيا وإيران لا تهمهم إلا مصالحهم الخاصة، حيث أصبح مؤكدا أنهم على استعداد للتنكر للقضية الفلسطينية وإبادة الشعب الفلسطيني مقابل تحقيق مصالحهم الشخصية ومصالح بلدانهم. وهذا ما يجهله أو يتجاهله شيوخ جماعات الإسلام السياسي والقومجيون في المغرب الذين يقومون بالدعاية الكاذبة ضد وطنهم مقابل ما يتوصلون به من أموال من قبل أعداء الوحدة الترابية المغربية، حيث صاروا يمتهنون الصراخ في وجه الوطن لصالح أعدائه. فالإنسان الذي له كرامة هو من يعمل وينتج من أجل كسب قوت أسرته، لكن هؤلاء تخصصوا في توظيف القضية الفلسطينية لصالح من يدفع لهم، فجعلوا من ذلك حرفة زجت بهم في أوحال خيانة وطنهم…
سيأتي يوم ستكشف فيه إسرائيل عن كل شيء، فتعري هؤلاء الحكام ومسانديهم في المغرب، وحينذاك سيفرض هؤلاء الحجر السياسي والإعلامي على أنفسهم. بذلك، سيقبعون في بيوتهم حتى مماتهم.
إن هؤلاء وأتباعهم يمارسون سياسة النعامة التي تغرس رأسها في الرمال وتعتقد أن الناس لا يرونها. وإذا كان هؤلاء يغرسون رؤوسهم في الرمال، فعليهم أن يعلموا أن عوراتهم السياسية قد صارت مكشوفة أمام الملأ. حيث تفوح منها رائحة كريهة جدا تفضح متاجرتهم بالقضية الفلسطينية ودسائسهم ضدها.