محمد بوبكري يكتب : مخاطر تدويل قضية حقوق الإنسان في الجزائر

محمد بوبكري

نشرت مجلة « الجيش » الجزائرية الناطقة بلسان الجنرالات افتتاحية تعبر عن عناد الجنرالات وإصرارهم على رفض مطالب الحراك الشعبي الجزائري. ويبدو أن هذه الافتتاحية تعكس غباء الجنرالات، لأنها أكدت أنهم لا يفهمون طبيعة ملف قضايا حقوق الإنسان الذي قد يغرقون فيه، لأن هذا الملف يتجاوز مسألة السيادة، وأن أغلب الدول صادقت على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعلى مواثيق ومعادات دولية أخرى، ما يفرض عليها احترام مضامينها التي تحمي حقوق الإنسان.

لذلك، أصبح اليوم ممكنا أن تتدخل الأمم المتحدة في أي بلد يتم الاعتداء فيه على هذه الحقوق، كما صار بإمكان أية دولة أن تحتج على خرق مبادئ حقوق الإنسان في دولة أخرى، دون أن يتم اعتبار ذلك مسا بسيادة هذه الأخيرة، ما يعني أن ملف حقوق الإنسان قد صار مشروعا أن تتدخل باسمه الدول في شؤون بعضها البعض. كما بات قضايا هذا الملف لا تسقط بالتقادم، حيث لا يمكن إغلاقها نهائيا. لذلك، نجد أن الدول التي تهتم بحاضرها ومستقبلها وسمعتها هي دول تعتني بحقوق الإنسان.

وما يتجاهله جنرالات الجزائر هو أن لهم ملفات كثيرة في « جنيف » في مكاتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة »، كما أن هناك إدانات عديدة للسلطة الجزائرية، ما يدل على أن تلك المفوضية تتوفر على ملفات تتعلق باحتجاز السلطة الجزائرية لجزائريين كثر وتعذيبها لهم… لكن جنرالات الجزائر لا يريدون الاستفادة من الدرس السوري في هذا المجال، لأن ما حدث في الجزائر يشبه ما حدث في سوريا، وأدى إلى بلقنتها وتفتيتها، وهو الأمر نفسه الذي حدث في العراق والسودان وليبيا…

قد يدعي جنرالات الجزائر أن الأمر يتعلق بمواجهتهم لمؤامرات ضد بلدهم، لكن هذا مجرد ادعاء، لأن اعتداءات هؤلاء الجنرالات على معارضيهم هو الذي دفع هؤلاء إلى القيام بردة فعل، حيث كان بإمكان الجنرالات أن يتجنبوا هذه الوضعية لو احترموا حقوق الإنسان في بلدهم.

وجدير بالذكر أن الأمم المتحدة قد بعثت قبل أيام برسالة إلى حكام الجزائر تحتج فيها على اعتداء الأمن الجزائري على مناضلي الحراك الشعبي الذين يتظاهرون في الشوارع بأسلوب سلمي حضاري، كما طالبتهم بإطلاق سراح المعتقلين وإغلاق ملفاتهم… كما تحدث الاتحاد الأوروبي ومنظمة « هيومن رايتس واتش » عن انتهاك حقوق الإنسان في الجزائر، والذاكرة الأممية لحقوق الإنسان ما تزال تحتفظ بالتقتيل الذي مارسه الجنرالان خالد نزار وتوفيق مدين في تسعينيات القرن الماضي، حيث قاما بتجنيد الجماعات الإرهابية وتمويلها لقتل الجزائريين الأمازيغ في الجبال الجزائرية، ما اعتبره المنتظم الدولي وقتها تطهيرا عرقيا، حيث كان ينظر إلى توفيق بكونه « ميلوفتش » الجزائر.

ونظرا لعناد حكام الجزائر، الذي كشفته الافتتاحية الأخيرة لمجلة « الجيش »، يبدو لي أن الجنرالات يفضلون الاختيار الأمني، ما يعني أنهم سيواجهون الحراك بالعنف، لا بالحوار ومراجعة الذات، غير آبهين باحتجاجات الأمم المتحدة، ما قد يؤدي إلى إحياء المنتظم الدولي لملف حقوق الإنسان في الجزائر، الأمر الذي سيتم بموجبه تدويل هذا الملف الذي قد يصبح حتما ملفا سياسيا ضخما. لذلك، فملف حقوق الأنسان هو أخطر ملف يتشكل لجنرالات الجزائر، حيث إذا أصروا على اللجوء إلى ممارسة العنف ضد الحراك فسينتهي بهم إلى الجحيم. ومن الأكيد أنهم عازمون على العزف على وتيرة الصراع العرقي بين مكونات الشعب الجزائري، الأمر الذي ستزداد معه قضية حقوق الإنسان استفحالا. وقد يتم استغلال كل هذا ضدهم من قبل المنتظم الدولي الذي سبق له أن تحدث عن وجود أقليات في الجزائر. وقد يؤدي كل هذا وغيره إلى فتح تحقيق في قضايا انتهاك حقوق الإنسان في الجزائر، كما أن العالم لم يعد يعترف بخطاب القضاء الجزائري الذي هو تابع للسلطة. لذلك، فمن الممكن أن تتم إعادة فتح هذه الملفات كلها.

وإذا كان حكام الجزائر يتحدثون عن كونهم عازمين على القيام بإصلاحات اقتصادية، فإنه لا يمكن أن يتعافى الاقتصاد في ظل انتهاك حقوق الإنسان، إذ لا يمكن للتاجر الفاسد أن ينمي تجارته، لأن فساده يتسبب في مقاطعة الناس له، ما يؤدي إلى إفلاسه.

ومن أجل الدفاع، باطلا، عن أنفسهم، فقد يلجأ حكام الجزائر إلى اتهام ضحاياهم بكونهم إرهابيين، أو أعضاء في جماعات إرهابية. ويبدو لي أنهم إذا فعلوا ذلك، فإنهم سيكونون قد اختاروا أسلوب التباري بالإرهاب، ما يعني أنهم سيقدمون حججا باطلة ضد الجزائر والجزائريين معا. وهذا ما قد يؤدي إلى فتح الباب لتدخل القوى العظمى. وللتدليل على ما أقول، فإن حكام سوريا قد قتلوا وهجروا الكثير من السوريين، فكانت النتيجة هي تدمير البلاد وتفتيتها، فأصبح الخاسران الأكبران هما الدولة والشعب السوريان. وكان السبب في كل ذلك هو الاستبداد، حيث كان الموالون للأسد يقولون: « الأسد أو نحرق البلد »، كما قال « بوتفليقة: « أنا الجزائر »، حيث اختزل البلد بكامله في شخصه، ما يعبر عن استبداد هذا الشخص الذي انتهى به المطاف خارج السلطة وهو مريض في أرذل عمره.

لقد بدأنا نسمع اليوم في الجزائر أسطوانة تقديس الجيش الجزائري، ما يدل على استبداد الجنرالات ورغبتهم في أن يتم تقديسهم، والإيمان بعصمتهم…

فالجيش مجرد مؤسسة في الدولة، وليس هو الدولة، والجزائر ليست ثكنة عسكرية تابعة لـ »شنقريحة »، إذ ليس من حقه أن يفعل فيها وبها ما شاء، ومتى شاء.

كما أن الجزائر لا يمكن أن تبقى بدون مؤسسات، حيث لا يجرؤ البرلمان الجزائري على مناقشة ميزانية الجيش، فأحرى أن يراقبها. فلا أحد في الجزائر يعرف عائدات البترول والغاز الجزائريين، فالجنرالات وحدهم يعرفون ذلك.

وعلى حكام الجزائر أن يعرفوا أن العنف يضرب استقرار البلاد، وأنه لا يمكن للشعب الجزائري أن يؤمن بالإنجازات الوهمية التي يروجون لها بأساليب فلكورية. فالإنجاز فعل وبناء في الواقع، لا مجرد كلام فارغ يدركه صاحبه وحده، دون غيره من الناس.

وإذا قوبل الحراك الشعبي الجزائري بالعنف والإرهاب، وتمَّ تدويل ملف حقوق الإنسان بالجزائر، فيصبح هذا الملف أمميا يتجاوز جغرافية الجزائر؛ فالملف الحقوقي ككرة ثلج تكبر بقدر ما تتدحرج، وهي كرة تحمل قنبلة في أحشائها يمكن أن تنفجر وتأتي على البشر والحجر والشجر. وإذا كان بعض الناس لا يخرجون للتظاهر في الشارع، فإن هذا لا يعني أنهم راضين عن السلطة، بل إنهم يرفضونها. وللتدليل على ذلك، فإن 21 مليون جزائري وجزائرية قد قاطعوا الاستفتاء على الدستور الحالي الذي تم طبخه في عهد « بو تفليقة »، ما يعني أن الأغلبية الساحقة من الجزائريين ضد نظام العسكر. كما قد تكون هناك بعض الاختلافات بين مناضلي الحراك، لكنهم يجمعون على رفض هذا النظام المستبد.

وإذا تبنى الجنرالات الاختيار الأمني، فإن هذا يدل على أنهم أصبحوا تابعين لعصابة خالد نزار وتوفيق مدين المسؤولين عن مجازر تسعينيات القرن الماضي بالجزائر، التي يشيب لها الولدان. وإذا أصروا على البقاء في السلطة، فلن يعود هناك خيار أمام الشعب الجزائري إلا الاستمرار في حراكه حتى يفرض عليهم مراجعة ذواتهم والدخول في حوار معه، لأن الحراك قوي وأدبيات الأمم المتحدة تعتبره حركة ديمقراطية سلمية. وبذلك سيتمكن للشعب الجزائري من توفير شروط الانتقال الديمقراطي…

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *