مزوار والرميد.. وسياسة الكيل بمكيالين!!

خالد بوبكري

حدثان بارزان شدا أنظاري في الآونة الأخيرة، ويستحقان الوقوف عندهما، ليس لمخرجاتهما وتأثيرهما على العلاقات الخارجية المغربية، ولكن لإبراز التناقض الحاصل في التعاطي مع الأفراد والجماعات داخل بلادنا، وسياسة الكيل بمكيالين التي يفترض أنها صارت جزء من الماضي بعد الأشواط التي قطعها المغرب على المستوى الحقوقي والديموقراطي والدستوري.

الحدث الاول يتعلق بإستقالة مزوار التي جاءت على خلفية رأي عادي أدلى به حول ما يقع في الجزائر، حيث خرجت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، لتجلد الرجل أمام العالم، وتخبرنا أن « حكومة صاحب الجلالة تشجب التصرف غير المسؤول والأرعن والمتهور للسيد صلاح الدين مزوار، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي اعتقد أنه يتعين عليه التعليق على الوضع الداخلي بالجزائر خلال مؤتمر دولي منعقد بمراكش ».

وأوضحت في ذات السياق أن، « الاتحاد العام لمقاولات المغرب لا يمكنه الحلول محل حكومة جلالة الملك في اتخاذ مواقف حول القضايا الدولية ولاسيما التطورات في هذا البلد الجار »، مضيفة أن « موقف المملكة المغربية بهذا الخصوص واضح وثابت ».

والحدث الثاني حصل بالمؤسسة التشريعية التي لها حرمتها ومكانتها الخاصة في النظام السياسي والدستوري، حيث وصف بها مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، فرنسا ب »طالبان »، خلال تقديمه لمشروع الميزانية الفرعية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان برسم السنة المالية 2020، امام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب.

الرميد قال أمام الجميع وبلغة لا تحتمل التأويل: « فرنسا هي الوجه الآخر لطالبان، فحركة الطالبان تفرض نوعا من الملابس على النساء (البرقع)، وفرنسا تفرض نوعا من الملابس ( منع ارتداء الحجاب في اماكن العامة)، ما يعني وجود نوع من ضرب للحريات.

الحدث الأول عاش صاحبه جحيما ساعات بعد أن قال: « على عكس ما يعتقده كثيرون، الجزائر لن تعود إلى الوراء، وسيكون على النظام العسكري تقاسم السلطة، وحل الإشكالية الجزائرية يكمن في جعل النظام العسكري يقبل تقاسم السلطة »، وإنتهى به الأمر بتقديم إستقالة أشبه ما تكون بطرد نهائي من الحياة العامة بعد أن سبق إزاحته من الفضاء السياسي قبل سنوات.

أما الحدث الثاني فشبه بطله، دولة فرنسا التي تجمعنا بها مصالح مشتركة وعلاقات جد متينة، ب »حركة طالبان » المصنفة دوليا في قائمة المنظمات الإرهابية، ومع ذلك فهو لا زال يمارس مهامه الحكومية دون أن تطاله الإقالة أو الاستقالة أو حتى المسألة.

فوزارة الخارجية التي إستعجلت إصدار بلاغ ناري حول تصريحات صلاح الدين مزوار، لم تحرك ساكنا حول تصريحات مصطفى الرميد، رغم خطورتها، وحجم الضرر الذي يمكن أن تسببه للمغرب الذي يعول كثيرا على دعم فرنسا في مجموعة من القضايا الحساسة والمصيرية ، كما هو الشأن بالنسبة لقضية الصحراء المغربية.

والأدهى من هذا أن تصريحات الرميد، قابلها صمت رهيب وغير مفهوم، من طرف المسؤولين وأصحاب القرار والطبقة السياسية، ورجال المال والأعمال، ونخب المجتمع، ونواب الأمة، وكأن ما قاله شيء عادي، والدولة المقصود بكلامه توجد خارج النسق الدولي الذي نتعايش ونتعاون معه.

فالرميد، وزير دولة، مثله مثل باقي الوزراء، يفترض فيه واجب التحفظ والتوقير اللازم للدول والأشخاص والمؤسسات الدولية، وتغليب اللغة الدبلوماسية والرزينة عند الحديث عن كل ما هو مرتبط بالآخر، كما يفترض أن يكون على وعي تام، أن التعامل مع الدول في عصرنا الحالي صار أشبه ما يكون بالمشي فوق زجاج سميك، قابل للكسر في أي لحظة، بفعل تعقد وتشابك وتداخل المصالح الدولية.

أكثر من هذا، فكلام الرميد، يمكن اعتباره نوع من الترامي وتقويض للسياسة الخارجية، التي هي مجال محفوظ وفق للمقتضيات الدستورية، لرئيس الدولة، فالملك يقوم بمجهودات كبيرة لتحسين وضع ومكانة المغرب إقليميا وعالميا، وبالمقابل نجد تصريحات طائشة لا تأخذ بعين الاعتبار هذا العمل والمجهود الملكي، بل تدفع نحو تعقيد العلاقات مع الجيران والأشقاء والشركاء الدوليين، كما حصل مع موريتانيا في علاقتها بتصريحات حميد شباط الأمين السابق لحزب الاستقلال.

ففرنسا الدولة المتحضرة والديمقراطية، وهذا هو الواقع، هي شريك وحليف فوق العادة للمملكة، وهي كذلك، كانت ولا زالت من القوى التي تتبنى وتقف إلى جانب المغرب في قضيته الأولى، وتساند المغرب في الاتفاقيات والقضايا المعروضة بالفضاء الأوروبي، والمنظمات الإقليمي والعالمية، فهل بمثل هذه التصريحات يمكن نسج علاقات متميزة بين الدول، وبناء الثقة مع الأخر ودفعه نحو تبني قضاياك الدولية؟

على كل حال إذا كان صلاح الدين مزوار، أخطأ التقدير عند حديثه عن الجزائر، وحدث له ما حدث بعد تصريحه، فإن غض الطرف عن تصريحات مصطفى الرميد الخطيرة، وبهذا الشكل، يعد نوع من الكيل بمكيالين، وتشجيع للبعض للتمادي في تقويض علاقة المغرب بشركائه الدوليين وأصدقائه وحتى خصومه.

فمن يا ترى يحمي مصطفى الرميد، ويتستر على تصريحاته الطائشة؟ ولماذا سياسة الكيل بمكيالين في مثل هذه الوقائع؟

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *