بوبكري يكتب: مفهوم « الجنة » في متخيل بعض الفقهاء المتشددين وعوام المسلمين

محمد بوبكري

كثيرا ما يتحدث الفقهاء المتشددون وعوام المسلمين عن الجنة، فيقولون إن الله تعالى سيكافئ من اتبعهم بحور عين وبنعم كثيرة. والحق أن هذا الخطاب يكشف عن تمثل سطحي جدا لمفهوم « الجنة » في الإسلام، لأن هذا التصور حسي موغل في الشهوانية رغم أن له ما يسنده ظاهريا في القرآن الكريم، حيث يشير هذا الأخير إلى أنهار من لبن وخمر وعسل، وغيرها من النعم والملذات. وعلى الرغم من أن بعض المحدثين حاولوا أن يجدوا ل « الحور العين » تأويلا آخر بعيدا عن النظرة الحسية الشهوانية التي تشير إلى العلاقات الجنسية، فإن المتخيل العام لعوام المسلمين وفقهائهم المتشددين لا يخرج عن القراءة الشهوانية للنص الديني.

وبتخلصنا من هذه القراءة الحسية للنص الديني، نكتشف أن كل ما قُدِّم من وصف للجنة إنما هو وصف صوري مجازي لتقريب أمر يعجز الناس عن تصوره. وهذا ما أكده الرسول (ص) عندما قال: « قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر »، مرتقيا بأذواق العاشقين من الحس إلى المعنى، كما يقول المتصوفة، أي من جنة الزخارف إلى جنة المعارف. ويؤكد الله تعالى ذلك قائلا: « مثٓلُ الجنة التي وُعِد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم…. » (محمد ، 15)، حيث الإضافة إلى المُنعِم (في قوله « ربهم ») أعظم من كل النعم.
لا يدرك الفقهاء المتشددون وأتباعهم من العوام أننا هنا في إطار تمثيلي مجازي تخييلي لا يسمح لنا بالتسليم باستيهامات بعض المفسرين وهواجسهم الشهوانية. إنهم يتلون قوله تعالى « إن أصحاب الجنة هم في شغل فاكهون » (يس، 55)، ويعتقدون أن هذا الشغل يقتصر على تكريس كل وقتهم في افتضاض الأبكار أو العذارى. هكذا، يتضح الفرق الشاسع بين جنة العوام وفقهائهم المنغلقين الذين ينهض تمثلهم لها على تصور حسي موغل في الشهوانية، حيث إنه مجرد إسقاط لهواجسهم ورغباتهم الحيوانية المكبوتة على الجنة بمعناها القرآني، وبين تصور للجنة بمعناها العميق التي هي جنة صوفية قائمة على الحضرة الإلهية في كل وقت وحين، ما يعني أننا في مجال روحي لا تطرح فيه الأمور في بعدها الحسي الشهواني الذي نعيشه في مجال الحياة الدنيا، وإنما تطرح في أبعادها الروحية. إن تمثل هؤلاء للجنة القرآنية هو مجرد ترجمة لما يرغبون في تملكه وممارسته اليوم في الحياة الدنيا، وهو تمثل ضيق يعكس ضيق أفقهم الفكري. إن قراءتهم تشوه النصوص التي يقرؤونها، فهم عاجزون عن التقاط الإشارات الجميلة وإدراك معانيها اللطيفة. وهذا ما يفسر نفورهم الشديد من الفكر والجمال. إن الفراغ الفكري والجمالي هو ما يولد تلك القراءة الحرفية الخطية للنص الديني. إنه هو ما يجعلهم أسرى لهوى الجنس والمال وملذات الحياة.

في هذا الإطار نفهم اليوم لماذا يتلهف بعض دعاة الإسلام السياسي على ممارسة الجنس، ولماذا يركضون باستمرار وراء النساء… وهذا ما تؤكده بعض الوقائع الحية التي كادت روائحها أن تزكم أنوف المواطنين. إن هؤلاء لا يترددون في الكشف نهارا جهارا عن ولعهم بالعقار وتكديس الأموال التي قد يكون مصدرها من ريع أو من فساد أو من أصل خليجي تطرح حوله أكثر من علامة استفهام. وفي كلتا الحالتين، فإن الأمر يتعلق بخيانة. وللتدليل على ما أقول، فإن بعض محاكم جرائم الأموال في بلادنا تدرس اليوم بعض ملفات الريع والفساد التي ينتمي أبطالها إلى هؤلاء القوم، وليس مستبعدا أن تعرض جرائم أخرى من هذا النوع على المحاكم قريبا.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *