علي الغنبوري
بغض النظر عن الخلاف القائم بين الدولة المغربية و منظمة العفو الدولية (امنيستي) ، حول الادعاءات و الاتهامات المرتبطة بملف الصحفي عمر الراضي، و صحتها من عدمها ، الا ان ما تسوقه هذه المنظمة من ادلة و تبريرات و اتهامات و منهجية عمل ،يطرح عددا من الاسئلة حول طبيعة هذه المنظمة و مجال اشتغالها،و اهدافها .
اذا كانت هذه المنظمة تعمل من اجل حقوق الانسان والدفاع عنها و حمايتها ،انطلاقا من مبادئ الاستقلالية و الشفافية و التجرد ،فان ما تدعيه و ما قامت به لاثبات ادعاءاتها ،يسائلها قبل غيرها ، فالامر لم يعد يقتصر على رصد و نضال او مواقف و اراء ضاغطة لحماية هذه الحقوق ، بل الامر تعدى ذلك بكثير ، ليتحول الى عمل استخباراتي بامتياز .
فهذه المنظمة تعلن بشكل صريح و واضح ، انها اخضعت هاتف الصحفي عمر الراضي للفحص التقني من طرف خبرائها في المجال الالكتروني ،و تأكد لها تثبيث برنامج “بيغاسوس ” المعد للتجسس، و الذي تستخدمه الحكومات و الدول لمكافحة الجريمة و الارهاب، و هنا يطرح السؤال كيف لمنظمة حقوقية ان تملك التكنولوجيا اللازمة لرصد هذا الاختراقات الاستخباراتية ؟ ، و هل بات من صميم عمل المنظمات الحقوقية ان تمارس اعمالا ضد التجسس “contre espionnage “؟ .
ما تدعيه اليوم منظمة العغو الدولية و ما اقدمت عليه خطير جدا ،فهي اليوم تمارس ما يسمى مكافحة التجسس ، و هو عمل مقتصر على الاجهزة الاستخباراتية التي تمتلك القدرات و التمويلات و الخبرات و الامكانيات اللازمة لممارسته ، و التي لا يمكن باي حال من الاحوال ان تمارسه منظمة غير حكومية، اهدافها نضالية و تطوعية .
لا يعقل ان يصدق احد ، ان منظمة العفو الدولية ، تقوم بما تقوم به ، من اجل الدفاع عن حقوق الانسان و صيانتها انطلاقا من مقاربة نضالية ، لان الامر ملتبس و متداخل ،و يتعدى بكثير المجال التطوعي و اهدافه و غاياته، فالامر لا يتعلق بضبط لاعتداء و قمع للحريات و الحقوق ، جرى رصده او تتبعه بناء على دلائل مادية او شهادات افراد و منظمات ، بل الامر يتعلق بنشاط استخباراتي معقد و متطور، ترصد له امكانيات هائلة و متطورة .
ولفهم هذا التوجه القائم داخل منظمة العفو الدولية لا بد من استحضار استقالة المؤسس السيد بيتر بينسين من منصبه كرئيس لها عقب اكتشافه (وفقا لما ورد بمذكراته الشخصية )، بأن المنظمة قد تم اختراقها من قبل عملاء بريطانيون وبدعم من وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية ولم تعد تتمتع بالحياد والنزاهة كما كان الهدف منها .
ما تدعيه منظمة العفو الدولية اليوم ، هو تاكيد لعمل هذه المنظمة في مجال ملتبس،بحدود ضبابية ما بين ما هو حقوقي و ما هو استخباراتي ، فتعقب الانشطة الاستخباراتية مهما كانت درجتها و مصدرها ، يطرح اكثر من علامة استفهام حول تبعية هذه المنظمة و من يقف ورائها .
فما تقوم به منظمة العفو الدولية ، هو تدخل سافر في سيادة الدول ، و تهديد واضح لأمنها ، يقتضي توضيحات جادة و صريحة من طرفها ، كما يقتضي التعامل الصارم معها ، و التحقيق في انشطتها و اعمالها ، و تتبع خيوط ارتباطتها .
و لعل ما تقوم به الدولة المغربية اليوم في تعاملها مع هذه المنظمة ، و طلبها القاضي بتقديم الدلائل و الاثباتات فيما تدعيه بشان ملف الصحفي عمر الراضي ، هو فهم جيد لعملها و طبيعة ما تقوم به ، جعل هذه المؤسسة الدولية في موضع حرج كبير ، فهي غير قادرة على تقديم هذه الدلائل ، و غير قادرة كذلك على التصريح العلني حول ما استندت عليه لصياغة اتهاماتها ، و هو ما يزيد من جرعات الشك و الارتياب حول حقيقة عملها و ارتباطاتها .
ان المغرب اليوم لا يجب ان يضع نفسه في موضع الحرج في تعامله الحقوقي مع هذه المنظمة ، فهو من بين الدول القليلة التي تسمح بعمل المنظمات الحقوقية الدولية على اراضيه ، و من بين الدول كذلك الموقعة على اغلب المقررات و الالتزامات الدولية في مجال حقوق الانسان ، و توجه الحقوقي لا غبار عليه ، ولا يمكنه باي حال من الاحوال ان يسمح باسم حقوق الانسان ، ان تتحول اراضيه الى مجال خصب للاعمال و الأنشطة الملتبسة التي تخرق سيادته و امنه .