يمتد إقليم تنغير المحدث مؤخرا، على مساحة تناهز 13619 كيلومتر مربع، بين اقليمي ورزازات من الغرب و الراشيدية من الشرق، و يضم ساكنة تقدر بنحو 289550 نسمة بكثافة سكانية تناهز ال 21 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد، و هي كثافة مهمة إذا قورنت بالكثير من الأقاليم في المغرب. يتوزع السكان على 3 جماعات حضرية هي: بلدية تنغير، بلدية بومالن دادس، و بلدية قلعة مكونة، إضافة الى 22 جماعة قروية منها: تودغى العليا، تودغى السفلى، واكليم، تاغزوت، أسول، اميضر، آيت سدرات الجبل، الخميس، ايماسين، إكنيون، امسمرير، ايت الفرسي، ايت سدرات السهل الغربية، ايت زينب، ايت واسيف، ايت يول، إغيل، نومكون، إغرم نوكدال، تيلمي.
على الخريطة السياسية، بالإقليم يسيطر حزب التجمع الوطني للأحرار على أكبر الجماعات بالاقليم المحلية وكذا المجلس الاقليمي، مع تمثيلية في الغرفة الثانية بمسشتار برلماني، وبرلمانين في الغرفة الأولى، لكن هذا لا يقلل الصراع القوي الذي تشهده الساحة السياسية في المنطقة التي تشهد غليانا سياسيا بين كل من العدالة والتنمية والأصالة والمعارصة والتجمع والحركة الشعبية، لا شيء تقريبا يوحد هذه الهيئات السياسية في إقليم تنغير سوى مصالح انتخابية غابرة، ولهذا عادة ما تكون الدورات سواء في الجماعات المحلية أو الجهة شاهدة على مواجهات ساخنة تؤدي فاتورتها الساكنة في القرى النائية.
لا شيء ممكن لإقناع ساكنة الجماعة القروية تيلمي للذهاب لصناديق الاقتراع، كما كشف عن ذلك أحد السكان، الذي أضاف أن المنطقة في حاجة لزيارة ملكية حتى لا يستمر الاختباء « وراء السياسة والاحزاب والصفقات ».
هل تكفي قنطرة لفك العزلة ونماء المنطقة؟ هذا هو السؤال الذي طرح في الكثير من الأحيان على المسؤولين وعلى المرشحين والمنتخبين.
الساكنة تعتبر أن بناء قنطرة سيفك العزلة عنهم هم بالأساس فالمنتخبون ، والمرشحون وهم في غالبيتهم من أبناء المنطقة، لا يقضي غالبيتهم سوى أيام في فصل الصيف بين المداشر، التي يخلفون فيها بنايات شاهقة وراقية تصلح فقط لتزجية أيام الصيف الجميلة.
على الواجهة الأخرى يعتبر المنتخبون والمرشحون أن ما يدعو له السكان من فك العزلة هو صميم اهتمامهم، ولكن الصراعات السياسية كثيرا ما تقف حاجزا ضد اصلاح الطريق الثانوية الرابطة بين الجماعات الفقيرة وبين قلعة مكونة، وكذا بناء قناطر تقي مخاطر الوديان، وتربطهم في الفصول المطيرة ببقية العالم.
على الأرض تقف الجغرافية وصعوبة التضاريس حاجزا في وجه مبتغى سكان المنطقة، السفر عبر الطريق الثانوية الرابطة بين قلعة مكونة وبين امسمرير، تكشف أن توسعة هذه الطريق تتطلب اعتمادات مالية ضخمة، لبناء القناطر وتقوية الجنبات وأيضا بناء الحواجر وكذا حماية الطريق من تساقط الصخور بتشييد سياجات حول الجبال. هذا كان سببا، بأن تلغى هذه الصفقة مرارا لانسحاب الشركات في آخر اللحظات من إتمام المشروع لعدم ربحيته. مغامرات المقاولات بحسب إفادة أحد المطلعين في المنطقة وصلت لثلاثة محاولات دون أن تطال هذا المسلك يد الجرافات.
مسألة أخرى لا تخفى، هو غياب أي دور للمجتمع المدني في التفكير في حل ينجي الساكنة من العزلة التي تفرضها عليها قساوة المناخ في ظل انعدام تلك القنطرة التي يتفق الكل على أنها مسلك النجاة، حتى مع تواجد كبار رجال الأعمال الكثير منهم يملك شركات انجاز الطرق والأشغال الكبرى، في حين تستمر جمعيات قليلة الحيلة وذات اليد في الدفاع عن حقوق الناس في أن يقضوا فصل الشتاء بأبسط الحقوق ومنها حق التجول والسفر والحصول على الغذاء، بل من السبات والكمون الذي تفرضه عليهم قرارات الطبيعة الجائرة.
الوجه الخفي لنشاط الجمعيات في المنطقة كاملة هو النشاط الانتخابي، فصحيح أن أحد رجال الأعمال الكبار، والذي فاز في الانتخابات التشريعية مول جمعية محلية بأكثر من خمسة ملايين درهم لفتح مقطع طرقي على مسافة ثماني كليومترات، إلا أن هذا التمويل الضخم لا تخفى نياته الانتخابية، خاصة وأن الخريطة السياسية في المنطقة يتحكم فيها التجمع الوطني للأحرار بقوة، وعلى أي حال لا يمكن انتظار طموح جمعيات مدنية وتبرعات فردية في فك اشكال كبير عمر دهرا ولا زالت ساكنة المنطقة تؤدي ضريبته القاسية التي تفرض عليهم الانعزال في بيوتهم لمدة طويلة كلما هطل المطر وكما تساقطت الثلوج وكلما تساقطت الحجارة.
جانب ثاني أكثر تعقيدا في العملية هي تدخلات الجهة في موضوع القنطرة، فآخر مثال هو مقررات الدورات العادية للجهة المتوالية، والتي صادق فيها مجلس جهة درعة تافيلالت في العام 2016 على برمجة حوالي 450 مليار لفك العزلة عن أقاليم الجهة، والتي تهم بناء وتأهيل 1500 كلم من الطرق الجهوية والوطنية، من بينها وأول طريق سريع بين قطبي الجهة ( الرشيدية وورزازات ) بطول 300 كلم، والترافع ضمن البرنامج الوطني الثاني للطرق السيارة من أجل مشروع الربط السيار بين مكناس والرشيدية على مسافة 270 كلم.
كما رصد مجلس الجهة حوالي 26 مليار لمشاريع تثنية وتوسيع على مستوى فج تيزي نتلغمت بإقليم ميدلت بعرض 14 مترا على مسافة 14 كيلومترا، وتوسيع ممر فج احجيرت على مسافة 14 كلم، وتوسيع وتقوية الطريق بين مركز زايدة وميدلت على مسافة 29 كلم، بالإضافة إلى توسيع وتقوية الطر يق بين تيزي نتلغمت و كراندو على الطريق الوطنية رقم 13.
مقطع الطريق الرابط بين قلعة مكونة وبين أمسمرير لا وجود لها في خريطة ولا حسبان الجهة، يما يمكن أن يفسر هذا؟ معارضو رئيس الجهة الحبيب الشوباني يقولون أن الصراع السياسي هو الذي يتحكم في العملية برمتها وهو الذي يفرض علي سكانة أمسمرير أن تبقى معزولة، مبررهم في ذلك غياب تام لحزب رئيس الجهة عن المشهد الحزبي في المنطقة، بل والمعارضة الشرسة التي يلقاها من أبناء المنطقة ومن منتخبيها، حتى أن جزء كبيرا من المحتجين الذين يتوجهون لباب مقر الجهة يتم تجشييهم من طرف هؤلاء المنتخبين.
على أن هذا يوقع في تناقض ثاني مفاده أن الجهة وقعت فعلا رغم حداثة تشكيلها على ثلاث صفقات تهم موضوع الطريق الرابطة بين قلعة مكونة وبين امسمرير دون أن تنجح الشركات التي رست عليها الصفقات في مواصلة تعبيد وتوسيع هذه الطريق التي أصبحت مطلبا موحدا بين الكل.