نادية بنصالح؛ إطار بوزارة الدولة المكلفة بحقوق الانسان و العلاقات مع البرلمان
الإيمان
من أسمى المعاني في حياة الفرد والتي تجمع كل مفاهيم القيم النبيلة : الإيمان وهو شعور وإحساس بالتصديق لدرجة الطمأنينة فإذا شاع بين العقد= الأفراد صدق بينهم القول وعمت الثقة وهانت التضحية وبذل الغالي والنفيس فيما يتقاسمونه من هم وأهداف مشتركة تخدم الصالح العام.
إن المكون الأساسي للشبكة المجتمعية = المجتمع هو إدراك ووعي العقدة أنها جزء من كل العقد المشكلة لها، تربطهم أواصر متينة (القيم النبيلة).
فالوعي والإدراك يبقيان مسألة نسبية إن وجد هدف مشترك وموحد بين العقد =الأفراد، هدف نسبي أو ما يعرف بالمصلحة الشخصية ( عن وعي أو بدون) التي تحتم التقاء العقد التي تتماثل غايتها للتدارس والبحث عن صيغ وآليات تؤدي للوصول إليها، مصلحة تقتضي الانخراط في منظومات صغيرة (هيئات، منظمات، نقابات، جمعيات، وداديات،….) كوسيلة لتوحيد المطلب وكيفية تحقيقه كجزء في إطار عام يجمع كل مطالب المنظومات الأخرى ولا تتعارض مع بعضها رغم اختلاف منشئها ولا مطالبها في درب يؤدي للقضية العامة والشاملة والمشتركة والموحدة، الغاية من كل ذلك بلوغ رقي الأمة.
غاية تؤلف بين قلوب كل االمنظومات على اختلاف مشاربها (الإيديولوجيات) في علاقة جدلية بين القاعدة والقمة بإيمان راسخ وثابت بالقضية (المصلحة العامة) التي لا مجال فيها للمزايدات، الأنا، الوصولية، الزبونية،… بل فقط للعمل الجاد والهادف والنقد البناء والقبول بالرأي الآخر واعتبار بصدق كل عقدة =فرد في المجتمع باني من بناة الغد الأفضل شعاره العملي “غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون”
قالت الأديبة هيلين كيلر:
النور الإيمان هو القوة التي بها يخرج العالم المحطم إلى النور
الرسالة
لكل كائن عاقل حي رسالة لوجوده على هذه الأرض، فبين خلقه ومماته رحلة حياة بوقائعها وأحداثها تعاش في كل لحظة أو حين مع نفسه، أسرته، محيطه، مجتمعه،…. فما دام به نبض فهو عقدة=فرد حامل لرسالة داخل الشبكة المجتمعية، ولوجوده وكينونته رسالة مسخر للقيام بها حسب المقام (المكان) والحيز (الزمان) اللذان شغلهما في مدى قريب أو متوسط أو بعيد ؛ فوجود العقدة =الفرد ليس اعتباطيا أو عبثيا فهو جزء من منظومة حياته التي تحتم عليه الوعي بكونه داخلها، وبالتالي الحسم في اختياراته وتوجهاته وقراراته بمعنى أن يكون فاعلا أو مفعولا به، منتجا أو مستهلكا، ناشطا أو متقاعسا، متوكلا أو متواكلا، … في أداء رسالته.
رسالة هي غالبا إما أن تكون مساعدة أو مكملة أو مختصة أو موزاية،…. لباقي العقد =الأفراد داخل منظومة الحياة (روح دينامية) داخل الشبكة المجتمعية؛ فالإشارات الحياتية هي التي تفرض على العقدة =الفرد البت والحسم في الاختيارت المعروضة عليه لرسم خريطة طريقه في هذه الحياة المشتركة مع باقي العقد .
فالأكيد أن كل عقدة تسعى إلى تحقيق طموح له معنى وحيد وفريد في هذا الكون هو بلوغ الرقي والعيش الكريم والسعيد على الأقل بعفاف وكفاف؛ طموح لا يمكن الوصول إليه بالوعي الوجودي فقط، بل باليد (العقدة) في اليد (باقي العقد) وبالأحرى بالإيمان الجماعي أن الفرد في خدمة الجماعة والجماعة في خدمة الفرد.
قال الشاعر أحمد شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال
إذا الإقدام كان لهم ركابا.
الحب
أغلب من يمشي على البسيطة يتغنى بالحب لإيجاد ما ومن يحب وهو إحساس إيجابي يتربع على مجموعة من المفاهيم و القيم النبيلة كالاحترام، التقدير، إنكار الذات، التضحية، الصدق، إسعاد الغير، التواضع، الاعتراف، القناعة، الرضى،….؛ والحب لا علاقة له بالفهم المشاع المتعلق بحب النوع فقط (امرأة و رجل) أو بالنرجسية (حب الأنا بالمغالاة) ؛ فالحياة كما خلقها الله عز وجل في شموليتها ترتكز على الحب لأنه مفتاح السعادة والرقي، فالعقدة = الفرد – المفروض والمأمول – إذا آمنت بالحب فأكيد أنها ستكون بمثابة نبراس يشع بنوره على كل من حوله؛ وبحكم وجودها في الشبكة المجتمعية ستكون بفعل التفاعل مثالا ورمزا لمجموع العقد لأن الحب الحقيقي هو حب الله، حب الوطن، حب الأسرة، حب الآخر، حب الخير، حب العمل، حب النجاح،…. أي حب كل ما هو جميل في الحياة والأهم الحب المتبادل التشاركي الموازي مصداقا لقول رسول الرحمة والبشرية ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ” ؛ وبحكم أن الرمز مثال لعقد في الشبكة وبتفاعله أينما وجد حلت الألفة وسمت العلاقات الإنسانية في تواصلها، حوارها، نقاشها،….، بل حتى في جدالها واختلافها في الرأي، لأن قاعدة موطئه مبنية على أساس متين وقوي من الحب والود والوئام….
فالحب شعور لا مجال فيه للرياء، المجاملة، التملق، الانتهازية، الغرور، المن،…. بمعنى أنه عدو للنفاق بمختلف أوجهه وقد صدق نبينا الكريم حين قال: “آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان” وهي علل مدمرة للحب بالأساس في معناه الشمولي، لأن عواقبها تفكيكية ومشتتة للشبكة المجتمعية وبالتالي معيقة للركب التنموي الآمل لبلوغ الرقي والسعادة .
صدق رب العالمين سبحانه عند قوله : “لو كنت فظا غليظ القلب لانفظوا من حولك”.
النقد الذاتي
حسب الكاتب نورمان فينست بيل :
“مشكلة معظمنا أننا نفضل أن يقضي علينا المديح على أن ينقدنا النقد”.
غالبا ما تأتي لحظات على الإنسان أن يقف مع نفسه في حديث داخلي يتمحور في مجمله حول النوستالجيا، يراجع فيه لحظات من الذكريات بمنظور وتفكير أحادي يغلب عليه منطق : عملت الصواب، ضحكنا، الله يرحم، قمت،…. لكن قلما يحاور ذاته في عملية تقييمية ليقف على أخطاء حياته ومسبباتها وربما يعتبرها بسيطة وهينة بشكل من اللامبالاة مع أنها يمكن أن تكون نقطة فاصلة في حياته وحياة الآخرين، غافلا كونه عقدة =فرد فاعل شاء أم أبى في الشبكة المجتمعية (الأسرة، المحيط، المجتمع،…) .
حوار من الضروري أن يكون بالأساس محاسبا للذات يكثر فيه التساؤل: من أنا، لماذا، كيف، أين، ….أسئلة الأجوبة عنها ترمي بالأساس إلى (الانتماء، النسب، الدين، …. الوطن) للوصول إلى أجوبة يدرك بها في تقديره ما الصح وما الغلط، لتقويم ذاته وإصلاح أخطائها وليستنتج أنه يقوم ضمنيا بنقد ذاتي لإعطاء فرصة لعقارب حياته للانطلاق من جديد بعد شحنها بالطاقة الإيجابية لمواجهة القادم من الأيام.
فكما أن الحياة ليست اعتباطية وأنها في الأساس في حركية تفاعلية دائمة بين العقد = الأفراد ، فمحاسبة الذات أمر إيجابي ومحمود لكن يجب أن يكون معقلنا حتى لا يسقط الفرد=العقدة في مصيدة جلد الذات، وبالتالي الشعور بالفشل والإحباط والاعتقاد _ مع الأسف وهذا هو الغالب_ أنه هو فقط حلقة مكملة لسلسلة صدئة.
قال الكاتب مصطفى محمود:
“هناك فرق بين النقد والحقد، وبين النصيحة والفضيحة، وبين التوجيه والوصاية، حياة الناس لم تدون باسمك لتخبرهم كيف يعيشون “.
لأجل ذلك محاسبة الذات ضرورية للعقدة=الفرد لكن يجب أن تكون بناء على منهجية معقلنة بمواعيد محددة للقيام بذلك، فهي تجعل نظرته تتفاعل مع العالم الخارجي (الآخر) وبالتالي يفهم معنى الاختلاف ويتغير نمط عيشه ليغلب عليه احترام الآخر، التسامح، التعايش،… بفضل الوقوف مع الذات وجها لوجه ومحاولة مصالحتها لأنها في الأصل ما هي إلا حاملة لرسالة في الحياة. مصالحة تؤثر إيجابا على تفاعله مع باقي العقد =الأفراد وتنقل تجربة النقذ الذاتي بينهم بفعل إشاعة آلية طرح الأسئلة : من نحن، لماذا، كيف، أين، … لتتضح الرؤيا للجميع على أنهم فاعلون وليسوا مفعول بهم أي ليسوا بمأمورين أو منفذين بل مساهمين، مشاركين، ومقررين قوتهم في تكثلهم مدركين أن هدفهم المنشود هو الاستقرار والصالح العام وخدمة الوطن.
قال المفكر والفيلسوف محمد عابد الجابري:
“نحن لا نمارس النقد من أجل النقد، بل من أجل التحرر مما هو ميت أو متخشب في كياننا العقلي وإرثنا الثقافي”.