وحيد بنسعيد
من الواضح أن العالم ينقلب رأساً على عقب، إن الخصخصة الاقتصادية و(الدينية) المنتشرة في العالم تفرغ الفضاء العام للديمقراطية من أي حصة.
حيث نرى خراب السياسة ارتباطًا وثيقًا بمنطق السوق و الشعبوية ، وكلاهما يلخص المخاطر التي يواجهها مجتمعنا.
للأسف في عمق العمل السياسي يتم استغلال مرور الوقت لطي مرحلة من مراحل الاصلاح السياسي رغم اهميتها الكبيرة، و يستغل البعض الظرفية ، فيحركون بطرقهم الخاصة الناخبون لإبراز ان الاصلاحات الحالية هي وليدة اللحظة في الوقت الذي يعرف فيه المختصون انه لتحقيق الوعود فان الامر يحتاج تشريعا تمويلا ثم تنفيذا ، فيستغل الامر آخرون و يتم اتهام منتخبين بالوعود الكاذبة التي طال انتظارها!
في حين ان اصلاحات اليوم هي وليدة الامس بعملية قيصرية لم تكن سهلة المنال.
هذا ما حدث في مجمله لليسار بالمغرب بقيادة الاتحاد الاشتراكي قائد سفينة اليسار بالمغرب و قائد حكومة التناوب في ضوء انتخابات وصفت بالديمقراطية.
ان ما نعيشه اليوم من بروز احزاب و قيم سياسية وحقوقية هو نتيجة نضال اليسار و حبه للوطن ودفاعه عن المقدسات و خصوصية المملكة الشريفة.
هذه العملية (السياسية) اعتدت على الاصلاحات السابقة واعتبرتها غير مجدية منها ما يهم الخدمات العامة ، والحماية الاجتماعية ، والمعاشات التقاعدية ، والصحة ، إلخ. . ، وهدفت الى ترخيص العمل السياسي بنقله بشكل طوفاني الى الشعبوية مما عمق الازمة.
وظهر النقد الغير المحايد لإصلاحات ونضالات الامس القريب مما قوقع الامر سياسيا وعليه فإن الانتعاش الاقتصادي لم يحدث ، ومعدلات النمو تزحف ، والبطالة وعدم الاستقرار لم ينخفضا بشكل ملحوظ حتى في تسلسل الانتعاش الاقتصادي.
هذا الامر خطير وان كان غير مرئي ، واذا ترك الامر كذلك سنكون امام شعور لا مذاق له شعرت به هانا أرندت حين عبرت عن قلقها من أن السياسة ستختفي تمامًا من العالم ، حينما سيغلب الخطاب الفضفاض الهوية و تنتصر المصالح التجارية.
في سياق هذه الأزمة يواجه مجتمع اليوم تحديات كبيرة ، وعليه فإن النقاش حول تحديات اليسار هو بالتأكيد سؤال حاسم ، وحتى حيوي للمستقبل.
وعليه يجب استمرار الانطلاقات الممكنة مهما صغرت في كل الاتجاهات و لا ينبغي الخلط بينهم وبين القضايا التكتيكية في عالم السياسة. حيث هناك دائمًا تكتيكات في السياسة لتحريك الخطوط ، ولإنشاء تحالفات ، وما إلى ذلك ، ولكن يجب أن تخضع لحقيقة عدم الاستسلام للأساسيات.
يجب إعادة بناء هذه الأسس وتغيير ميزان القوى ، إذا أردنا استعادة الثقة في الخطاب السياسي ، بفكرة السياسة ذاتها و هذا لا يمنعنا من حملات الإصلاح انطلاقا من انفسنا على العكس تماما. إن الدفاع عن الخدمة العامة ، والنضال من أجل توزيع آخر ، والإصلاح الضريبي ، والدفاع عن العمال ، هي مواضيع اجتماعية واقتصادية يجب ان تبقى مستمرة فقط لنسميها اصلاحات عوض نضالات.