يونس لقطارني يكتب: الاحزاب السياسية ومشكلة النخب والتدبير 

يونس لقطارني يكتب: الاحزاب السياسية ومشكلة النخب والتدبير 

من أين يبدأ الإصلاح في المغرب؟ من أين تبدأ عملية البناء أو إعادة البناء؟ من أين يبدأ النهوض بالدولة المغربية في ظل الصراعات السياسية ؟

فى السنوات الاخيرة برزت مجموعة هائلة من الأعطاب ومظاهر الخلل التي عصفت بالحياة السياسية المغربية بعد الربيع العربي الذي أفرز تشريع قوانين انتخابية لا تعبر عن الواقع بصلة ، وأيضا التدافع والتكالب على السلطة واقتصار أنشطة الساسة والأحزاب على مراهنات وتحركات انتخابية محدودة تعمل وفق منطق الترضيات والتزكيات والبحث عن الامتيازات والمناصب والمواقع، وفق معايير بعيدة عن الكفاءة والخبرة، إضافة إلى عدم انتهاجها لعمل سياسي مجتمعي وثقافي مستمر ومتواصل الحضور والتأثير، إضافة إلى غياب المعارضة الحزبية والنقابية المتماسكة الأهداف والمواقف.

لم تتم مناقشة أزمة صناعة القيادات في المغرب وتحميلها المسؤولية لكل هذه الإخفاقات والانتكاسات الحاصلة لأنها الماسكة والمهيمنة على الفعل السياسي والاجتماعي العام، وعملت هذه القيادات التي لا تتصف بالعقلية السياسية الإدارية الناجزة، على مجابهة كل محاولات التجديد وصعود النخب الكفوءة، مما أدى إلى التآكل التنظيمي والبنيوي للأحزاب السياسية المغربية.

ولهذا انحسرت تطلعاتها في دائرة التمسك الشديد بمصالح شخصية وامتيازات الوصول إلى مواقع النفوذ والقرار، مما جرها إلى السكوت عن مظاهر الفساد المالي والسياسي أو ممارسته.

قادة ونخب المغرب السياسية والاجتماعية بفعل هذه السلوكيات المتراجعة التي أفرزتها مظاهر الفقر والبطالة وتراجع مقومات النزاهة والمصداقية والهشاشة الاجتماعية، أسهمت في وضع المغرب على سكة الدول المتخلفة رغم ثرواته ومظاهر التحول الديمقراطي التي لامسها في السنوات الاخيرة،كما أسهمت في رسم صورة سلبية على العموم في الوعي المجتمعي العام عن السياسة وكل ما يتصل بها، بحيث بات من يترشح إلى الانتخابات وإن كان مستقلا يصبح موضع شبهة واتهام بالفساد المبكر والتبعية.

وهذا أحيانا تثبته الممارسة فحتى من يعقد الأمل عليه بان يكون من ضمن طراز القادة أو الساسة الذين يتأمل فيهم أن يكونوا بعيدين عن المحسوبية والفساد قد وقعوا في الفخ السياسي، وتناسى بعضهم تاريخه وذاكرته النضالية وتضحياته الوطنية ووعوده الانتخابية، ليثبت للمواطنين أن مبررات تصديه لم تكن إلا مسألة تتعلق بالوصول إلى السلطة والاستئثار بمنافعها وغنائمها في مقابل مغادرة الفئات الشعبية الفقيرة ومحاصرة حتى الطبقة الوسطى التي كان ينتمي إليها.

كل هذه المؤشرات، عملت على تحريك مشاعر الإحباط واليأس لدى المواطنين المغاربة، وبالتالي عملت أزمة القيادة القادرة على التصدي والتأثير على تعزيز مظاهر العزوف عن المشاركة السياسية في الاستحقاقات الانتخابية والتفاعل السياسي الايجابي في العملية السياسية.

إذا كانت القيادات تعاني من أزمات فلابد من صناعة قيادات جديدة تستطيع أن تنجز مشروعا وطنيا قادرا على تحقيق إصلاح شامل ومتكامل للحقل السياسي الوطني، إصلاح ثقافة وفكر وسلوك سياسي وهياكل ومؤسسات وقوانين وأطر إرشادية موجهة لبناء الدولة بشكل سليم، حتى تتم إعادة الإعتبار والثقة بالسياسة من قبل المجتمع، والسياسة لن تصبح هكذا إلا عندما تكون ولادة للحافزية والحلول والبدائل والقدرة على خلق الطموح والتغيير ووضع مسلمات لمستقبل واعد.

ولهذا فأن جل ما يطرح من مشاريع وبرامج حزبية وحكومية وحتى بيانات ومواقف واحتجاجات، تواجه اعطاب ومعوقات التطبيق والنجاح؛ لأنها لا يمكن أن تتحقق إلا في إطار متكامل تعمل على إحلاله قادة ونخب المجتمع والدولة، وطالما هذه القيادة تعاني من أزمات فأنها لن تكون واعية لأي ايجابية يمتلكها النظام السياسي، إذن من دون بلورة إرادة سياسية واجتماعية وثقافية قوية مدركة للإصلاح والتغيير والتجديد مستوعبة لحجم المسؤولية قادرة على النقد الذاتي لضعفها، قاطعة لكل قيم الفساد والمحسوبية والممارسات التقليدية المتآكلة فسوف لن تنتج مشروع وازن مستوعب لقيم المجتمع وخصوصياته ومقوماته الإنسانية.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *