آش خاصك آالعريان؟ الكاميرات أمولاي!

في مشهد قد يُثير الاستغراب أكثر مما يُثير الإعجاب، وجهت رئاسة البرلمان مراسلة رسمية إلى رؤساء الفرق البرلمانية تُطالبهم فيها بتزويد المجلس بصور النواب، في إطار خطوة جديدة تهدف إلى تعزيز المراقبة عبر الكاميرات داخل قاعة الجلسات، لتتبع الحضور والغياب.

الهدف المُعلن؟ التصدي لظاهرة الغياب المتكرر، بعد فشل نظام البطاقة الإلكترونية، الذي تحوّل هو الآخر إلى مصدر لفضائح “الحضور بالنيابة”. لكن السؤال الجوهري الذي يطرحه المواطن البسيط هو: هل فعلاً هذه الكاميرات ستُصلح ما أفسدته العقول والنيات؟

البرلمان يبدو وكأنه دخل سباقاً محموماً لحل مشاكل إدارية سطحية، عبر أدوات ذكية، بينما يغض الطرف عن أصل الداء: الأداء البرلماني الضعيف، وهشاشة التمثيلية، والبعد التام عن انشغالات المواطنين.

فما جدوى أن نعرف أن البرلماني “حاضر” جسدياً، إذا كان غائباً فكرياً، صامتاً في القضايا المصيرية، وعديم الفاعلية في التشريع والرقابة والمساءلة؟ هل وجوده في القاعة أهم من مواقفه وآرائه ونقاشاته؟

اللافت أن هذه الخطوة التقنية لا ترافقها أي رؤية لتقييم مردودية البرلمانيين، أو تطوير كفاءاتهم، أو حتى مساءلتهم عن مدى إسهامهم في تقديم الحلول التي ينتظرها المواطنون. وكأننا نحاول أن نحل أزمة برلمانية جوهرها فكري وسياسي… بكاميرا مراقبة!

البرلمان ليس قاعة أفراح تُحتسب فيها الكراسي الشاغرة والمملوءة، بل مؤسسة دستورية عليا، يُفترض أن تكون منارة للتشريع والرقابة وتوجيه السياسات العمومية. فهل نحتاج فعلاً إلى صور ومجسات إلكترونية، أم إلى برلمانيين يُجيدون الدفاع عن الناس، ويفهمون الملفات، ويُناقشون القوانين بجدية؟

ما نحتاجه اليوم ليس “توثيق الحضور”، بل توثيق المواقف، والأفكار، والتأثير داخل الجلسات. نحتاج إلى نواب لا يخشون مواجهة الحكومة، ولا يترددون في انتقاد السياسات الفاشلة، ولا يكتفون بالتوقيع والمجاملات.

إنفاق الميزانيات على الكاميرات وتقنيات التعرف على الوجوه لن يُغني عن برلمان عاجز عن إنتاج حلول، ولا عن نواب يفضلون الغياب العقلي على الحضور الشكلي.

فالبرلماني الحقيقي، ليس من ترصده الكاميرا… بل من تخلّده المواقف.