علي الغنبوري
لا عيب في ان يتابع الصحافيون اداء الاحزاب و فعلهم و ممارستهم السياسية و التنظيمية ، فذلك من صميم عملهم و اشتغالهم ، باعتبار هذه الاحزاب جزءا من الشان العام ،و باعتبار كذلك ان الصحفيين سلطة رابعة تراقب الشان العام و تنقل تفاصيله و جزئياته الى المواطنين .
كما يمكن للصحفيين ان لا يقتصروا فقط على نقل المادة الخبرية المتعلقة بالاحزاب ، بل يمكنهم ان يتفاعلوا مع الاحداث السياسية و التنظيمية لهذه الاخيرة ، و ان يعبروا عن مواقفهم و انطباعاتهم منها سواء بالنقد او الموافقة ، فالصحفي ليس ماكينة جامدة مجردة من الافكار و المواقف و المرجعيات و الخلفيات الفكرية و السياسية .
لكن هؤلاء الصحفيون لا يمكنهم باي حال من الاحوال ان يتجردوا من اخلاقيات المهنة المؤطرة لهم ،و ان يحلوا مكان مناضلي هذه الاحزاب ، و يرسموا لهم خطهم السياسي، و يحددوا لهم من سيقودهم و من سيعمل على تدبير شؤونهم ، لان الامر سيحول الى توجيه عمدي و تدخل سافر في شؤون هذه الاحزاب .
و اذا اتفقنا ان هذا السلوك الصحفي المنحرف هو تدخل في شؤون الاحزاب ، يمكننا طرح السؤال حول من له المصلحة من هذا التدخل ، و من يقف وراءه ،و من يهدف الى هذا التوجيه ، خاصة اذا صدر الامر من بعض المنتسبين لمهنة الصحافة ذويي السوابق في هذا الشان .
و حتى نخرج من حالة التعميم الى حالة التخصيص ، ويظهر للجميع المعني بهذا القول، فهنا استحضر تدوينة “الصحفي” يونس دافقير في حق الاتحاد الاشتراكي و التي نصب من خلالها نفسه ضميرا جماعيا للاتحاد الاشتراكي و مناضليه ، و رسم لهم عبر احلام “قرمزية” معالم طريقهم ،و نصب عليهم من يقودهم .
هذا القفز على ارادة الاتحاديات و الاتحاديين لم يكن مقرونا بسذاجة او نية مجردة او حماسة زائدة ،بل ربطه صاحبه بكثير من البصمات المشبوهة للتحكم في صناعة المشهد السياسي المغربي ، خاصة و ان التدوينة ضربت المثل بحزب الاستقلال و بامينه العام السابق حميد شباط ،وكيف طويت صفحته .
و بغض النظر عن الموقف من حميد شباط و ممارسته السياسية و التنظيمية ، فالكل يعرف كيف ذهب شباط من قيادة حزب الاستقلال ،و من ثار ضده ،و من هندس لذهابه ، و اين دخل و خرج شباط ، و كيف تم الترويج بعد الاطاحة بشباط لذهاب البعض و بقاء البعض، و كان الساحة السياسية ضيعة خاصة لبعضهم يعينون من يشاؤون و يسقطون من يشاؤون.
فهل تحول دافقير الى عراف لهؤلاء ؟، ام انه اصبح منفذا لامر يومي يستهدف الاتحاد و ارادة مناضليه ، ام انه تحول لمنصة اطلاق بالونات الاختبار و جس النبض داخل الاتحاد الاشتراكي, ام ان الامر يتعلق بادعاء كاذب للقرب من جهات معينة لمحاولة تمرير رسائل مشفرة داخل الحزب ، على شكل رؤى و هلوسات يعلم هو وحده على ماذا يعتمد عقله لترجمتها الى كتابات على صفحات الفايسبوك .
ما روج له دافقير ، لا يعني القطع بتورط الاخويين المذكوريين في حلمه ، بل بالعكس فهذا الادعاء يسيء لهما اكثر مما يخدمهما ، فهو يقدمهما بهدف ” الحريݣ” الى ساحة التباري الحزبي بشكل مستبق ،و يعطي الانطباع بشكل غير مباشر الى الرضا الحاصل عليهما خارج دائرة الارادة الاتحادية ، كما يخلق تراتبية نضالية و زعماتية بينهما ، حين يعين القائد و نائبه،و هو ما سيخلق كثيرا من السجال و النقاش بين مؤيديي الطرفين حول احقية كل منهما .
ممارسة الصحافة ، تقتضي كثير من المسؤولية و الرصانة و الكرامة و الاخلاق ، فهي لم تكن يوما تضليلا او “تسخارت” ، او كتابة تحت الطلب ،او حشر للانف فيما لا يعني صاحبها ، او قفز في الهواء بدون ملابس “داخلية” ، وقيادة الاتحاد الاشتراكي ، هي حق لجميع ابنائه و بناته بدون استثناء ، بشرط السعي لها من داخل الحزب ، رفقة مناضليه و مناضلاته ،و لا يمكنها باي حال من الاحوال ان تتحول الى كلمات و توجيهات و رؤى و احلام من خارجه ، يكون مطلقوها و مروجها من البقايا و الجثث المشوهة بالتبعية و ” تطياح السروال” و “تبراحت ” و ” السعاية” و “الادمان” الاعلامي.
التطرق لتدوينة دافقير لا يدخل في باب التهويل و الهلع التنظيمي و السياسي ، بل التطرق لها هو فقط قصد التنبيه الى الممارسات الشاذة التي تستهدف الاتحاد الاشتراكي و حرية مناضليه ، بالاضافة الى التذكير بماهية الاتحاد القائمة اساسا على صموده و صمود مناضليه داخل حزبهم .