معدل الإنفاق الصحي للفرد ببلدنا العزيز هو 1.578 درهم أي ما يعادل 150 أورو سنويا، بينما كان يصل سنة 2018 الى: 8971 أورو بأمريكا و 1085 أورو بالبرازيل و 573 بالصين، و 5078 أورو بألمانيا و 4208 أورو بفرنسا…الناس تنفق على صحة شعوبها أكثر من نصيب مواطنينا الفردي من الناتج الوطني الخام..رهان النموذج التنموي القادم ببلادنا يجب أن يجيب عن سؤالين أساسيين:
1- أين الثروة و كيف تصرف؟؟
2- كيف نقوي إنتاجنا و نرفع من حجم ثرواتنا المادية و اللامادية ؟؟
صعب أن نتخيل تحسين مستوى معيشة المغاربة و زيادة إنفاقهم على صحتهم و تعليمهم و رفاهيتهم، و دخلهم من أقل الدخول في العالم بحيث لم يتجاوز سنة 2018 عتبة 5.456 دولار للفرد، محتلا المرتبة 122 من اصل 187 دولة شملتها الدراسة..
معدل الإنفاق الصحي ببلدنا لا يتجاوز 6 بالمائة من الناتج الوطني الخام بينما يجب أن يصل إلى 10 بالمائة كمعدل عالمي.. مما يعني أن على المغرب أن يضاعف استثماراته في مجال الصحة من أجل تدارك الخصاص.. و هو أمر مستحيل على الأمد القريب بالنظر لحجم الاقتصاد و كثرة الأولويات الملحة من تعليم و تشغيل و بطالة و محاربة الفقر…
و يبدو أن الحل البديهي هو مضاعفة الجهود و سن سياسات إرادية من أجل دعم الإنتاج و خلق الثروة و تقوية الاقتصاد، بالاستثمار في العنصر البشري و إشراكه ديمقراطيا في بناء و تنفيذ كل المخططات التنموية ، و اعتباره الرأسمال الأساسي و الحقيقي لكل تنمية مستدامة تروم تقدم الوطن..
و قبل ذلك لابد من توفر إرادة سياسية حقيقية من أجل محاربة الفساد و اقتصاد الريع و فرض مساهمة كل المواطنين بدون استثناء في المجهود الضريبي على قدم المساواة دون محاباة و لا استثناءات، و القضاء على سياسة الامتيازات التي يستفيد منها اغنياء الوطن عبر الإعفاءات الضريبية و التساهل في تحصيلها و غض الطرف عن التهرب الضريبي التي تشكل عائقا أمام التزام الدولة بالوفاء بخدماتها تجاه المجتمع، إضافة إلى فرض ضريبة على الثروات و الدخول الكبيرة..
الاقتصاد نظريات و أرقام و تقنيات يجب أن توضع في خدمة تصور سياسي واضح للدولة و المجتمع و المواطن، و عليه فإن تعاقدا مجتمعيا و سياسيا جديدا متوافقا عليه لإشراك جميع القوى الحية و المواطنة بالبلد، أصبح ضرورة وطنية ملحة من أجل الخروج من حالة الانتظارية التي طالت ببلدنا و تسببت في هدر الكثير من الزمن السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي..
أصبح الجواب على أسئلة من قبيل أي مواطن نريد لأي مغرب في العقود القليلة القادمة اكثر ملحاحية إذا أردنا أن نلتحق بركب الدول المتقدمة و يكون لنا دور و شأن في عالم متغير يبدو أن أزماته ستزداد و لن تستثني احدا من تبعاتها..
انطلاقا مما سبق، لن يكون على لجنة النموذج التنموي الإجابة على سؤال التنمية و تقوية الاقتصاد و حسب، و لكن اقتراح مشروع مجتمعي يتعاقد عليه المغاربة و ينخرطوا فيه باقتناع أنه يخدم مصالحهم و يفتح أمامهم أبواب المستقبل من أجل بناء جماعي لمغرب يسع الجميع و يفخرون بالانتماء إليه..
في انتظار الاجوبة، تبدو حكومتنا الحالية بفسيفسائها الحزبية و تناقضاتها المرجعية بعيدة كل البعد عن هذه الانشغالات فهي لا تدبر سوى اليومي وتمارس مكوناتها هوايتها المفضلة في تصيد أخطاء الآخرين وانتظار مبادرات القصر من اجل تبنيها و التصفيق لها.. و تفويض التكنقراط أو من هم في حكمهم اختصاصاتها.. و لنا في تدبيرها لجائحة كورونا خير مثال..
على الامد القصير، الحاجة لحكومة سياسية مسؤولة، منسجمة متضامنة، كفؤة و جريئة في اختياراتها و في الدفاع عنها، أصبح هو الآخر ضرورة للقطع مع ممارسات لا تؤدي إلا إلى تأخر قطار التنمية، خاصة و أن دستور 2011 أعطى الحكومة و رئاستها ما يكفي من الصلاحيات و الإمكانيات لصياغة و تنفيذ برامجها.. مما يؤدي بنا الى تساؤل يسكت عنه الكثير من المحللين و المعلقين و الفاعلين: ألم يحن الوقت للمطالبة بتعديل دستوري يأخذ بعين الاعتبار الصعوبات و التفاصيل إلتي سكت عنها الفصل 47، خاصة في حالة عدم قدرة رئيس الحكومة المعين على تكوين تحالف منسجم، أو ربما، كما هو الامر في دول عديدة، التنصيص على تعيين رئيس الحكومة من التحالف الأكثر عددا من النواب و ليس الحزب الأكثر تمثيلية..
القادم صعب وطنيا، جهويا و دولية و ليست لنا من فرصة لمواجهته سوى إبداع أجوبة مغربية خالصة تنهل من تاريخها و التجارب الدولية الناجحة التي استطاعت كسب رهان التنمية و الديمقراطية.