عبد السلام أحيزون، الرجل الذي احتكر قطاع الاتصالات في المغرب لمدة 27 سنة، يترجل أخيرا، لكن ليس بخروج مشرف، بل مطرودا تحت وطأة الفضائح المالية والتجاوزات القانونية والإخفاقات الاقتصادية التي راكمها على مدار عقود، حيث أن الرجل الذي كان يُسوّق نفسه كمهندس نجاح “اتصالات المغرب”، ينتهي اليوم كمتهم بتدمير صرح اقتصادي، ومع ذلك، سيغادر محملا بتقاعد سمين، وكأن إخفاقاته كانت إنجازات تستحق المكافأة، وليس جرائم تدبيرية تستدعي المحاسبة.
لقد بنى عبد السلام أحيزون إمبراطوريته على أسس هشة، استندت إلى عقلية احتكارية بائدة، غير مبالٍ بتحولات السوق ولا بمقتضيات المنافسة العادلة. ظل لعقود يفرض وصايته على قطاع الاتصالات، مستخدمًا نفوذه لضرب أي منافسة حقيقية، حتى جاءت لحظة الحقيقة حين فرضت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات غرامة ثقيلة على “اتصالات المغرب”، بلغت 3.3 مليار درهم، بسبب ممارساتها الاحتكارية، وهي الغرامة التي كانت بمثابة الضربة الأولى التي كشفت أن الشركة لم تكن سوى كيان مترهل قائم على احتكار مصطنع، وليس على الابتكار أو الجودة.
لكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، فالقضاء التجاري كشف الوجه الحقيقي لإدارة عبد السلام أحيزون حين أدان “اتصالات المغرب” بإساءة استغلال مركزها المهيمن وأجبرها على دفع تعويض هائل لشركة “إنوي”، تجاوز 6.3 مليار درهم، حيث كان هذا الحكم بمثابة شهادة وفاة لأسطورة “الرجل الذي صنع نجاح الشركة”، ليؤكد أن سياسات أحيزون لم تكن إلا عائقًا أمام تطوير السوق وفتحها أمام المنافسة الشريفة.
أما الكارثة الأكبر، فكانت صورة المغرب في الخارج. ففي الوقت الذي تبذل فيه المملكة المغربية جهودا لتعزيز حضورها الاقتصادي بإفريقيا، جاء سوء إدارة “اتصالات المغرب” ليضرب هذه الجهود في مقتل، حيث أن ما حدث في موريتانيا كان مثالًا صارخًا على ذلك، حيث فُرضت على فرعها هناك غرامات تاريخية بلغت 790 مليون درهم، بسبب ممارسات غير قانونية وسوء الخدمات. وبدل أن تكون “اتصالات المغرب” سفيرا للمغرب في الخارج، تحولت إلى مصدر للإحراج والعقوبات، نتيجة ذهنية التسيير التي ظلت تنظر إلى الأسواق الإفريقية كمجالات للاستغلال لا للتنمية المشتركة.
ولأن الفشل الإداري لا يأتي فرادى، فقد انهارت أرباح “اتصالات المغرب” بنسبة 92% خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الماضية، لتصل إلى 318 مليون درهم فقط، بينما تضخمت مديونيتها إلى 23 مليار درهم، بزيادة 35.4% خلال نفس الفترة، إذ لم يكن هذا سوى نتيجة طبيعية لعقود من التسيير الفاشل، الذي فضّل سياسة “الربح السهل” عبر الاحتكار، بدل الاستثمار في تطوير الخدمات وتعزيز تنافسية المجموعة.
أما المستثمرون في البورصة، فقد فهموا الرسالة قبل غيرهم، إذ تحول سهم “اتصالات المغرب” إلى استثمار عالي المخاطر، وسط تحذيرات من المؤسسات المالية التي صنفته ضمن “الأسهم غير الجذابة”. ولم يكن السبب في ذلك ظروف السوق فحسب، بل فقدان المجموعة لبوصلة التطوير، نتيجة عقلية متحجرة لم تفهم أن السوق لم تعد تحتمل الاستراتيجيات القديمة المبنية على التسلط وغياب الابتكار.
اليوم، يخرج عبد السلام أحيزون من المشهد، لكن ليس إلى المحاسبة، بل إلى تقاعد ذهبي سيحصل عليه نظير سنوات من الفشل والانحدار، في واحدة من أكبر المفارقات في المشهد الاقتصادي المغربي. رجل تسبب في خسائر مالية فادحة، وأسقط شركة عملاقة في دوامة الأزمات، ثم يغادر ليعيش حياة مترفة، وكأن الخسائر التي تكبدتها الشركة كانت مجرد أرقام عابرة.