هاشتاغ _ الرباط
قال ألبرت أينشتاين ذات يوم، وهو يراقب عبث الإنسان في هذا الكوكب: «هناك شيئان لا حدود لهما، الكون والغباء البشري… لكن بالنسبة للكون، لست متأكدًا تمامًا».
إنها عبارة بسيطة، لكنها تختصر المأساة حين يتحول الغباء إلى منهج تدبير شأن عام، وحين تتوه السياسة في متاهة الحسابات الصغيرة وتنسى أن الغاية من الحكم هي خدمة الناس لا تسويق الأوهام لهم.
منذ أن جاءت حكومة عزيز أخنوش، اكتشف المغاربة معنى جديدًا للانتظار، انتظار الفرج من حكومة تظن أن الصورة تغني عن المضمون، وأن الخطاب المكرر يكفي لتخدير وعي شعبٍ أنهكته الأسعار والضرائب واللامبالاة.
كل شيء يُدار بلغة الأرقام والوعود، بينما الواقع يزداد قسوة وضبابية.
إنها حكومة تتحدث بلغة الاقتصاد لكنها تفكر بعقل التسويق، تُصدر البيانات كما تُصدر الشركات منتجاتها، وتنسى أن السياسة ليست سوقًا، وأن المواطن ليس زبونًا.
الغباء هنا ليس في الجهل، بل في الإصرار على تجاهل الواضح. في أن تستمر الحكومة في رفع شعارات “الإصلاح” وهي تغرق في التفاصيل الصغيرة، وأن تتحدث عن “الدعم الاجتماعي” وكأنه صدقة موسمية لا سياسة عمومية.
إن ما يجري اليوم ليس فشلًا في التدبير فحسب، بل فشل في الفهم: فهم الواقع، وفهم الإنسان، وفهم اللحظة التاريخية.
لقد قال إرنست رينان: «الغباء البشري هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعطي فكرة عن اللانهاية».
وفي كل يوم يمر، نكتشف أن السياسات الحكومية الحالية تتجه نحو هذه اللانهاية، حيث تُعاد الأخطاء نفسها، وتُدار الأزمات بالأسلوب ذاته، ويُطلب من الشعب الصبر وكأن الصبر عملة لا تنفد. في المقابل، تتضاعف أرباح القلة القريبة من القرار، بينما تغرق الأغلبية في صمتٍ ثقيل.
كلود شابرول، ذلك المخرج الذي فهم النفس البشرية أكثر من السياسيين، قال: «الغباء أكثر إغراءً من الذكاء، أكثر عمقًا منه بلا حدود. فالذكاء له حدود، أما الغباء فلا حدود له». لعل هذا هو الدرس الذي نراه اليوم أمامنا: الغباء السياسي يُمارس بثقة، والغرور يُقدَّم ككفاءة، والجهل يُغلف بخطاب النجاح. الحكومة تتحدث عن الاستقرار وكأن البلاد تعيش في نعيم، بينما المواطن يبحث عن معنى الاستقرار في ثمن الخبز، وفي أجرة السكن، وفي فواتير الماء والكهرباء.
إن المغاربة لا يطلبون معجزات، ولا ينتظرون أن تُحل مشاكلهم بين عشية وضحاها، بل يريدون فقط حكومة تفكر بعقلها لا بجيوب من يمولها. يريدون صدقًا في القول قبل الفعل، واحترامًا لذكائهم لا استغباءً لعقولهم.
لكن حين يصبح الغباء سياسة رسمية، وحين يُعتبر النقد عدوًا والخطأ إنجازًا، حينها فقط يتحقق ما قاله أينشتاين: الكون ربما محدود، أما الغباء السياسي… فلا حدود له.