أخنوش ومعركته الانتخابية المقبلة.. كواليس هندسة الولاء وتكتيك التحصين قبل 2026

على بُعد عام واحد من الانتخابات التشريعية لسنة 2026، يتهيأ المشهد السياسي المغربي لدخول مرحلة ما يمكن وصفه بـ”الاختبار الأشد” لرئيس الحكومة عزيز أخنوش وحزبه التجمع الوطني للأحرار. فالمعركة المقبلة، التي تتقاطع فيها الحسابات الحزبية مع رهانات وطنية كبرى أبرزها تنظيم كأس العالم 2030، لم تعد مجرد محطة انتخابية، بل تحولت إلى مشروع سياسي شامل يتم هندسته خلف الكواليس منذ أشهر.

وفق المؤشرات الميدانية، يعتمد أخنوش على نواة صلبة من الفاعلين السياسيين والاقتصاديين، موزعين بين أعيان محليين ذوي نفوذ، وقيادات حزبية متمرسة، ورجال أعمال قادرين على توفير الدعم المالي واللوجيستي، إلى جانب وجوه شابة تراهن على اختراق المشهد الإعلامي واستقطاب القاعدة الانتخابية الجديدة. ما يجمع بين هذه العناصر ليس فقط الانتماء الحزبي، بل بالأساس الولاء الشخصي لرئيس الحكومة والقدرة على ضمان تعبئة الأصوات ميدانيًا.

منذ وصوله إلى رئاسة الحكومة سنة 2021، فضل أخنوش الابتعاد عن التفاصيل اليومية لتدبير الحزب، مكتفيًا برسم الخطوط العريضة والاستراتيجية العامة، ومانحًا صلاحيات واسعة لمقربين موثوقين. هذا الأسلوب، الذي يراه البعض دليلاً على برود الحماسة السياسية، يمكن قراءته كتكتيك تحصين، يسمح له بإدارة المعركة من موقع آمن مع مراقبة دقيقة لمفاصلها الأساسية.

إعادة تشكيل الدائرة الضيقة المحيطة به كانت جزءًا من هذه الاستراتيجية. فقد شهدت السنوات الأخيرة خروج شخصيات كانت تتولى أدوارًا محورية، لتعوضها أخرى أكثر قربًا وولاءً، مما يعكس رغبة واضحة في إحكام السيطرة على قنوات الاتصال والتأثير، سواء داخل الحزب أو في المجال الإعلامي.

في المقابل، توضح خريطة النفوذ داخل الحزب أن أخنوش يستند إلى شبكة إقليمية متماسكة، حيث يتوزع “الحرس القديم” على مناطق استراتيجية، يمسكون فيها بمفاتيح القرار المحلي، فيما يضمن رجال الأعمال التمويل والدعم الاقتصادي، وتتكفل الوجوه الشابة بمد الجسور نحو فئات انتخابية جديدة.

غير أن هذه الدينامية الحزبية لا تخلو من التحديات. فبوادر التوتر مع حزب الأصالة والمعاصرة، الحليف الحالي والشريك في الأغلبية، بدأت تظهر مبكرًا، مع مؤشرات على تنافس مكتوم قد يتحول إلى مواجهة سياسية مفتوحة بعد 2026، خاصة إذا تراكمت ملفات الخلاف وأثرت على تماسك التحالف.

في المحصلة، يبدو أن أخنوش يراهن على مزيج من الولاء الصارم، والتحكم في أدوات النفوذ المحلي، وتكتيك الإدارة الهادئة، لتحويل هذه المقومات إلى انتصار انتخابي يمنحه ولاية ثانية، ويضعه في موقع استثنائي لقيادة الحكومة المغربية في زمن حدث عالمي بحجم كأس العالم 2030. غير أن نجاح هذه المعادلة سيظل رهينًا بقدرته على ضبط التوازنات داخل الأغلبية، ومواجهة خصوم انتخابيين قد لا يترددون في استغلال أي فجوة سياسية أو تنظيمية مع اقتراب ساعة الحسم.