حميد باعلي
لا يكاد المغاربة يخرجون من صدمة فضيحة حتى يجدوا أنفسهم أمام أخرى، وجميعها تشير إلى خيط واحد: منظومة حكومية تزداد تورطاً في تضارب المصالح حتى باتت شبهات “استغلال السلطة” جزءاً من المشهد اليومي.
بعد ملف تحلية المياه الذي طالت فيه الاتهامات رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ثم الجدل حول وزيرة السياحة التي تحوّلت فجأة إلى مروّجة لفندق فاخر، ها نحن أمام الضربة الثالثة: صفقة بوزارة الصحة تُمنح لشركة يمتلك فيها وزير آخر—من الحزب نفسه—حصصاً مالية.
والمثير أنّ الوزير المعني استثمر في الشركة مباشرة بعد حصولها على الصفقة، وكأن البلاد شركة عائلية وليست دولة تُدار بقوانين، فما يحدث لم يعد مجرد صدفة أو سوء تقدير إنه نمط متكرر: صفقات تمرر في قطاعات حساسة، وزراء يملكون مصالح مباشرة في الشركات المستفيدة، وغموض يلف جلسات البرلمان التي كان يفترض أن تكشف الحقيقة، قبل أن يتم “إغلاق النقل المباشر” في وجه المواطنين.
هذا السلوك يعكس ما يشبه التطبيع مع تضارب المصالح داخل الحزب الذي يقود الحكومة وكأن المال العام أصبح حقلاً مفتوحاً للاستثمار السياسي والاقتصادي في الآن نفسه.
أخنوش الذي تعهد في بداية ولايته بـ“ربط المسؤولية بالمحاسبة”، يبدو اليوم غارقاً في سلسلة فضائح تهز مصداقية الحكومة، فبدل أن يكون قدوة، يجد نفسه محاطاً بوزراء تُثار حولهم شبهات لا تنتهي، فيما يكتفي الخطاب الرسمي بالتبرير والإنكار.
فكيف لرئيس حكومة يملك واحدة من أكبر المجموعات الاقتصادية في البلاد أن يفصل بين موقعه السياسي ومصالحه المالية؟ وهل يمكن لحكومة يقودها رجال أعمال أن تدير المال العام بعيداً عن تضارب المصالح؟
القضية الأخيرة لوزارة الصحة ليست مجرد خطأ إداري إنها إنذار سياسي يكشف علاقة غير صحية بين مواقع السلطة ومواقع الاستثمار فالصفقة تم منحها لشركة حصل فيها الوزير على أسهم “كبيرة” في توقيت مثير للريبة، بينما المنافسون يُقصون في صمت.
إنه المشهد نفسه الذي يتكرر فاستغلال المناصب، تكييف القوانين، وتمرير صفقات بملايين الدراهم، فيما المواطن يتفرج على ارتفاع الأسعار وجفاف الخدمات العامة.
البرلمان… صمت ثقيل وحجب للبث وعندما يقرر البرلمان عدم بثّ جلسة استجواب في ملف بهذه الحساسية، فهذا وحده كافٍ لطرح السؤال:
ما الذي يخافون من ظهوره؟ ولماذا يريدون إخفاء تفاصيل قد تهم كل مغربي يمول هذه الحكومة من جيبه؟
فالبلاد تمرّ من مرحلة دقيقة، والمال العام ليس ملكاً لحزب ولا لحكومة.
وإذا كان أخنوش جاداً في محاربة الفساد كما يردد، فعليه أن يبدأ من داخل فريقه، حيث تحوّل تضارب المصالح إلى ممارسة ممنهجة لا تخطئها العين.






