أسواقٌ خارج السيطرة.. هل فقدت الجهات الرقابية قدرتها لكبح جشع المضاربين؟

مع تصاعد موجة الغلاء التي تشمل مختلف القطاعات، من المواد الغذائية إلى المحروقات، يزداد الجدل حول مدى قدرة المؤسسات المعنية بتنظيم السوق على القيام بدورها بفعالية.

وبينما يُفترض أن تكون هذه الجهات حصنًا ضد الممارسات الاحتكارية وضامنة لمنافسة عادلة، تواجه تحديات تعيق تأثيرها، ما يثير تساؤلات حول جدوى تدخلاتها وقدرتها على كبح ارتفاع الأسعار.

ورغم أن هذه المؤسسات تستند إلى صلاحيات دستورية تخول لها مراقبة السوق، إلا أن افتقارها لسلطة تنفيذية حقيقية يحد من فعاليتها، مما يجعل دورها أقرب إلى التوجيه والإرشاد منه إلى الفعل الحاسم.

وفي ظل هذا الوضع، تبرز الحاجة إلى تعزيز سلطاتها، حتى تتمكن من اتخاذ إجراءات مباشرة تلزم الفاعلين الاقتصاديين باحترام قواعد المنافسة العادلة، عوض الاقتصار على إصدار توصيات غالبًا ما تبقى دون تطبيق فعلي.

إلى جانب الإشكالات المرتبطة بالصلاحيات، يعاني النظام الرقابي من نقص واضح في الموارد البشرية، حيث يظل عدد العاملين في هذه الهيئات غير كافٍ لمتابعة تطورات السوق على امتداد التراب الوطني.

فمع تزايد الأسواق غير المهيكلة واتساع رقعة الأنشطة التجارية، يصبح من الصعب ضمان مراقبة شاملة وفعالة دون تعزيز الطاقات البشرية والتقنية.

ولمواجهة هذه التحديات، لا بد من إعادة النظر في آليات ضبط الأسعار عبر تبني أدوات مراقبة حديثة تعتمد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لرصد أي ممارسات غير مشروعة في السوق.

كما أن تعزيز التعاون بين مختلف الأطراف، سواء على المستوى المحلي أو المركزي، قد يساهم في توسيع نطاق الرقابة وضمان استجابة أسرع للتقلبات التي تؤثر على الأسعار.

غير أن أي إصلاح محتمل يظل مرهونًا بإرادة حقيقية لتغيير أسلوب التدخل، وجعل هذه المؤسسات أكثر قدرة على التأثير المباشر في السوق. فبدون ذلك، ستظل هذه الهيئات مجرد جهات استشارية لا تملك سوى إصدار تقارير لا تجد طريقها إلى التنفيذ، بينما تستمر الأسواق في الخضوع لمنطق المضاربة والاحتكار، في ظل غياب آليات رقابية حازمة تحمي القدرة الشرائية للمواطن.