في خطوة تثير أكثر من علامة استفهام، أعلنت مجموعة أكديطال عن توقيع مذكرة تفاهم للاستحواذ على 100 في المائة من رأسمال Taoufik Hospitals Group (THG) التونسية، بقيمة تناهز 90 مليون دولار، في صفقة لا تزال مشروطة بالحصول على التراخيص التنظيمية.

ورغم تقديم العملية في قالب “توسّع استراتيجي دولي”، فإنها تفتح نقاشًا واسعًا حول أولويات المجموعة، وتطرح تساؤلات عميقة حول منطقها الاقتصادي والاجتماعي، خاصة في سياق صحي إقليمي يعاني من اختلالات بنيوية حادة.
ففي الوقت الذي تواجه فيه المنظومة الصحية بالمغرب انتقادات متزايدة بسبب ارتفاع كلفة العلاج، وتفاوت الولوج إلى الخدمات الصحية الخاصة، وتنامي شكاوى المرتفقين من منطق الربح الذي بات يطغى على الرعاية، تختار أكديطال توجيه استثمارات ضخمة إلى الخارج، بدل توسيع العرض الصحي النوعي داخل السوق الوطنية أو المساهمة في تخفيف الضغط عن المستشفيات العمومية.
وتُظهر معطيات الصفقة أن المجموعة التونسية المستهدفة تحقق هوامش ربح مرتفعة (EBITDA بـ35 في المائة)، وتراهن على تخصصات عالية الربحية كالأورام والتدخلات القلبية، ما يعزز الانطباع بأن الاعتبارات المالية تبقى المحدد الرئيسي لهذه الخطوة، أكثر من أي بعد تضامني أو التزام بتحسين الولوج العادل للعلاج. وهو ما يعيد إلى الواجهة الانتقادات الموجهة لنموذج “الطب التجاري”، الذي يحوّل الصحة من حق أساسي إلى منتوج استثماري موجّه لفئات محددة، محليًا ودوليًا.
كما يثير هذا التوسع الخارجي تساؤلات حول الحوكمة والرقابة، خاصة أن أكديطال أصبحت فاعلًا مهيمنًا في القطاع الصحي الخاص بالمغرب، ومع ذلك لا تزال تواجه انتقادات بشأن تسعيرة الخدمات، وعلاقة المصحات بشركات التأمين، وحدود احترام مبدأ التكامل مع القطاع العمومي بدل منافسته واستنزاف أطره.
ثم إن الحديث عن “بناء منصة إقليمية للتميز الطبي” يصطدم بواقع هجرة الأطر الصحية من المستشفيات العمومية، ونقص الموارد البشرية في مناطق مغربية واسعة، وهو ما يجعل أي توسع خارجي غير مسبوق بإصلاح داخلي عميق يبدو، في نظر منتقدين، قفزًا إلى الأمام دون معالجة الأعطاب الأساسية في الخلف.
وعليه، فإن صفقة أكديطال في تونس، بدل أن تُقرأ فقط كنجاح استثماري، تكشف بوضوح التناقض القائم بين خطاب التنمية الصحية، وممارسات التوسع الرأسمالي في قطاع حساس يفترض أن تحكمه اعتبارات المصلحة العامة قبل منطق الأرباح. وهي خطوة ستظل، بلا شك، محط نقاش وانتقاد، ما دامت لم تُرفق بإجابات واضحة حول مسؤولية الفاعل الصحي الخاص تجاه مجتمعه الأصلي، وحدود تحويل الصحة إلى مجال للمضاربة العابرة للحدود.







