هاشتاغ _ الرباط
في ليلة هادئة، استأثرت القناة الأولى بانتباه المغاربة، ليس بسبب حدث خارق أو إعلان مفاجئ، بل لأن محمد أوجار، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، قرر أن يفتح أبواب السياسة على مصراعيها، مطلقًا تصريحاته التي لا تقل إثارة عن رواية سياسية متشابكة الخيوط.
أوجار، المعروف بدهائه السياسي وقدرته على اللعب خلف الكواليس، ألقى بقنبلة إعلامية حين أشار، بعبارات ملغومة، إلى أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد يجد نفسه في حضن الحكومة المقبلة. “هذه ليست آخر حكومة”، قالها بابتسامة واثقة تُخفي أكثر مما تُظهر. ثم أضاف، بنبرة بدت وكأنها تُغري حزب “الوردة”: “نعتز بدور الاتحاد الاشتراكي في المعارضة، لكننا لا نغلق الأبواب أمامه”.
هذه الكلمات لم تكن عفوية، بل كانت أشبه بورقة شطرنج وُضعت بعناية في منتصف الرقعة السياسية. ولكن، لنتساءل: لماذا الآن؟ ولماذا الاتحاد الاشتراكي تحديدًا؟
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الحزب الذي كان يومًا رمزًا للنضال والتغيير، يبدو في عهد إدريس لشكر وكأنه يبحث عن طوق نجاة يعيده إلى أضواء الحكومة، حتى لو كان الثمن هو التضحية بما تبقى من تاريخه، حيث أن “اتحاد لشكر”، كما يُسميه خصومه، لم يعد ذلك الحزب الذي يقود الجماهير نحو الإصلاح، بل أصبح حزبًا يقتات على فرص السياسة المتاحة، ولو كانت واهنة.
أوجار، الذي يتقن فن المناورة، يدرك تمامًا هشاشة وضع الاتحاد الاشتراكي، ولذلك، جاءت تصريحاته بمثابة فخ ناعم، يد ممدودة، لكنها تُغرق أكثر مما تُنقذ. فهل يستطيع الاتحاد الاشتراكي أن يقاوم الإغراء، أم أن شبح المقعد الوزاري سيطغى على حسابات التاريخ والمبادئ؟
لكن خلف هذا السيناريو الظاهري، هناك قصة أخرى تُروى. فتصريحات محمد أوجار لا تُعبّر فقط عن استراتيجية لترويض الاتحاد الاشتراكي، بل تُشير إلى تصدعات داخلية بدأت تظهر في بيت التجمع الوطني للأحرار، حيث الحزب الذي يقوده رئيس الحكومة عزيز أخنوش يواجه أزمات متعددة، من تصاعد الانتقادات الشعبية بسبب تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، إلى صراع داخلي بين قياداته حول من يحمل الراية بعد أخنوش.
وهنا، يبرز دور محمد أوجار. الرجل الذي يعرف جيدًا دهاليز السياسة، قد يكون استغل هذا القناة الأولى العمومية ليرسل رسالة مزدوجة. الأولى موجهة إلى الداخل، حيث يُحاول الترويج لنفسه كبديل مستقبلي لأخنوش، عبر الإيحاء بأنه يمتلك القدرة على إعادة تشكيل التحالفات وصياغة المشهد السياسي المقبل. والثانية موجهة إلى الخارج، حيث يسعى إلى طمأنة الأحزاب الأخرى بأن التجمع الوطني للأحرار لا يزال قادرًا على التحكم بمفاتيح اللعبة.
لكن الاتحاد الاشتراكي، في ظل قيادته الحالية، يبدو مستعدًا للقبول بأي عرض يعيده إلى دائرة السلطة، حيث أن “اتحاد لشكر” لم يعد يعبأ كثيرًا بصورة الحزب في أعين أنصاره. قيادة الحزب تعلم جيدًا أن دورها التاريخي لم يعد العامل الحاسم في معادلة السياسة، بل أصبح الرهان الوحيد هو الوجود في الحكومة، حتى لو كان ذلك بمقعد وزاري يتيم يُستخدم لتزيين واجهة التحالفات.
غير أن السؤال الأكبر هنا هو: هل تصريحات أوجار مجرد محاولة لاحتواء الاتحاد الاشتراكي أم أنها رسالة موجهة لعزيز أخنوش نفسه؟، حيث يرى البعض أن الرجل يُحاول ابتزاز رئيس حزبه عبر التلميح إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب قيادة جديدة، أكثر براغماتية وأقل تأثرًا بضغط الشارع.
الشارع السياسي المغربي لا يغفر بسهولة. والتاريخ أثبت أن الأحزاب التي تُفرّط في مبادئها وتاريخها النضالي تفقد مكانتها بسرعة أمام قواعدها، وإذا قرر الاتحاد الاشتراكي القبول بهذه الصفقة، فإنه قد يواجه ثمنًا سياسيًا باهظًا. فهل يُضحي الحزب بما تبقى من إرثه ليصبح تابعًا يُحمل على أكتاف أوجار نحو حكومة 2026؟
وفي المقابل، هل يستطيع التجمع الوطني للأحرار أن يُقنع الشارع المغربي بأن استراتيجياته قادرة على تجاوز الأزمات الحالية؟ أم أن هذه الخرجة الإعلامية ليست سوى غطاء على أزمة داخلية أكبر تُهدد الحزب من الداخل؟
السياسة المغربية تشبه رواية مفتوحة النهايات، حيث يختلط فيها الواقع بالمناورة، والمبادئ بالمصالح. تصريحات محمد أوجار ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي خطوة محسوبة في رقعة شطرنج سياسية معقدة، حيث كل حركة تُعيد ترتيب الأوراق. لكن السؤال الذي يظل معلقًا: من يُمسك بالخيوط الحقيقية؟ ومن سيدفع الثمن في النهاية؟.