أية سياسة جبائية يحتاجها المغرب ما بعد جائحة كورونا؟

البشير الحداد الكبير

لقد أكدت جائحة كورونا أن النظام الجبائي المغربي يحتاج لإعادة النظر الكلي والجزئي في مختلف مكوناته.
إن النموذج التنموي الجديد الذي نحن بصدد إعداده لا يمكن أن ينجح إلا بإعتماد سياسة جبائية ذات فعالية ومردودية، وبإصلاح جبائي شامل.
نجد أن النظام الجبائي يجد أساسه في الوثيقة الدستورية الجديدة(1) من خلال الفصل 39 والفصل 40 الذي ينص على الضريبة التضامنية،ونلاحظ أن المشرع الدستوري أدرج هذين الفصلين ضمن الباب الثاني المعنون بالحريات والحقوق الأساسية،فبعدما حدد مجموعة من الحقوق، ذكر في المقابل واجبات، فالضريبة تعتبر أحد مكونات العقد الإجتماعي وهي واجب من المواطنات والمواطنين تجاه دولتهم.
إن الضريبة تلعب أدوارا مهمة ويرى الأستاذ ADLER أنها لها دور أساسي يتمثل بالأساس في تمويل الميزانية وتنشيط الإدخال والإستثمار، ودور تكميلي مفاده تشجيع الإستعمال الناجع للموارد وجعل الإقتصاد أكثر مرونة تجاه الإبتكارات وتحقيق مبدأ الإنصاف »(2).
وبالتالي فالسؤال المطروح ما هي السياسة الجبائية التي يحتاجها المغرب لتخطي تداعيات جائحة كورونا؟
للإجابة على هذا السؤال فقد اعتمدنا التقسيم التالي:
المحور الأول: تقييم للسياسة الجبائية المغربية منذ الإستقلال إلى اليوم
منذ حصول المغرب على الاستقلال وجد نفسه أمام تركة سلبية للمستعمر أو ما تسمى بالمغرب النافع والمغرب غير النافع، وللقضاء عليها وجب عليه الإعتماد على الإستثمار، بإعتبار هذا الأخير هو المحرك الأساسي للتنمية، لكنه يحتاج لتحفيز وتشجيع، وبالتالي لاحظنا منذ تبني المغرب قوانين الإستثمار سنة 1958 إلى غاية 1988 أنها تميزت بالمحدودية وأبانت عن فشلها لأنها كانت قطاعية وكانت تتميز بالعشوائية في توزيع التحفيزات الجبائية، وفي سنة 1995 حاول المشرع المغربي تدارك الأمر وتجاوز هذه المشاكل بتبني قانون الإطار بمثابة ميثاق للإستثمار 18.95(3)،حاول المغرب من خلاله خلق إستراتيجية واضحة للإستثمار تتميز بالعقلنة بدل العشوائية التي كانت سائدة في القوانين السابقة،ومن بين الأهداف التي جاء بها هذا الميثاق نجد:
– تخفيض العبء الضريبي المتعلق بعمليات شراء المعدات والآلات والسلع التجهيزية والأراضي اللازمة لإنجاز الاستثمار؛
– تخفيض نسب الضريبة المفروضة على الدخول والأرباح؛
– منح ضمانات قوية للمستثمرين فيما يخص المنازعات الضريبية من خلال منحهم إمكانية الطعن المحلي والوطني؛
-توزيع أفضل للعبء الضريبي
وتطبيق أحسن للقواعد المتعلقة بالمنافسة الحرة من خلال مراجعة نطاق تطبيق الإعفاء من الضريبة.
إلا أننا لاحظنا أن هذا الميثاق هو كذلك لم يسلم من الإنتقادات،فرغم تأكيده على التشغيل عند اقتراح المشاريع الاستثمارية، إلا أن هذه الأخيرة كانت ترتكز على الجانب الرأسمالي وليس الرأسمال البشري، الشيء الذي يفسر لنا إخفاق سياسة الإعفاءات الضريبية في مجال حيوي وهو التشغيل.
كما أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطاب العرش لسنة 2018 أكد على ضرورة إخراج ميثاق جديد للإستثمار.
نلاحظ أن التحفيزات الجبائية منذ الإستقلال إلى يومنا هذا كانت ذات توجه إقتصادي(تشجيع الإستثمار) و إجتماعي(القضاء على البطالة والفقر).
إن النظام الضريبي المغربي كما يقول الأستاذ « حميد النهري » : »مليئ بالهفوات وجدت مقصودة لتسمح لبعض القطاعات بالتهرب من الضريبة » ،بحيث نلاحظ أنه يعتمد بشدة على الضريبة على القيمة المضافة TVA (الضريبة الغير المباشرة)، في المقابل نجد محدودية إعتماده على الضرائب المباشرة (الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات)،إذا ما عدنا للضریبة على الدخل نجد أن القطاع الفلاحي يستفيد من إمتيازات، رغم أنه سنة 2014 تم فرض الضريبة على هذا القطاع لكن تبقى حبر على ورق أو كما يسميها الأستاذ « حميد النهري » : »بضريبة المهزلة » ، كذلك نجد أن قطاع العقار يستفيد من إمتيازات، ونلاحظ أن الضريبة على الدخل تهم بالأساس « الأجور » أو كما يسميها الخبير الإقتصادي الأستاذ « أقصبي » بضريبة الحجز من المنبع التي تمثل حوالي 94٪ من مجموع الضريبة على الدخل، أما بخصوص الضريبة على الشركات نجد أنها لا تمثل إلا القليل بالنسبة للنظام الضريبي المغربي وكما قال الأستاذ « أقصبي » أنه في سنة 2016 حوالي 67٪ من الشركات صرحت بالعجز.
بعدما اطلعنا بشكل موجز على السياسة الجبائية التي يعتمدها المغرب سنحاول في المحور الثاني اقتراح السياسة الجبائية لتخطي تداعيات جائحة كورونا وكذلك لكون السياسة الجبائية هي العمود الفقري للنموذج التنموي الجديد.
المحور الثاني: السياسة الجبائية المقترحة لتخطي جائحة كورونا
إن المغرب ما بعد جائحة كورونا مقبل على تحدي صعب وهو إعداد نموذج تنموي جديد يتناسب مع طموحات المغاربة وهذا النموذج لن ينجح إلا بإصلاح النظام الجبائي وذلك بإعتماد أسلوب العقلنة، والعقلنة تحتاج لتدخل الدولة بإرادة سياسية حقيقية من خلال إعتماد سياسة جبائية أكثر عدالة وبتوسيع الوعاء الجبائي.
إذا عدنا للوثيقة الدستورية الجديدة لسنة 2011 نجد أن المشرع المغربي من أهم إختصاصاته « النظام الجبائي،ووعاء الضرائب، ومقدارها وطرق تحصيلها » حسب الفصل 71،وبالتالي ينبغي على المشرع المغربي أن يتحلى بالشجاعة والجرأة لإحداث تغييرات جذرية في النظام الجبائي.
إن تبني سياسة جبائية ذات نجاعة ومردودية رهين كذلك بالإصلاح الإداري، بتبني مبادئ الحكامة الجيدة التي تتطلب موارد بشرية ذات كفاءة، نلاحظ أن جلالة الملك أعزه الله في خطاب العرش لسنة 2019 أكد على ضخ دماء جديدة في العمل السياسي والإداري، وفي نفس السياق نجد أن الأستاذ G.ARDANT يقول : »أننا غالبا ما ننسى أن النظام الجبائي الأحسن تصورا،لا تكون له قيمة إلا بفضل الإدارة التي تطبقه » (4)،وعليه فالإصلاح السياسي والإداري سيجعل الدولة أكثر قوة وسيمكنها من تنفيذ الإصلاحات الجبائية.
ينبغي أيضا تفعيل الضريبة على القطاع الفلاحي بشكل حقيقي، ونلاحظ أن ظاهرة المساكن الفارغة انتشرت بكثرة وبالتالي ينبغي فرض ضرائب عليها.
ومن أجل توسيع الوعاء الجبائي أكثر فأكثر ينبغي فرض ضريبتين أساسيتين، الأولى الضريبة على « الرأسمال(الثروة) la fortune » والثانية على « الإرث »، نلاحظ أن الضريبة الثانية هناك العديد من المعارضين بدعوى أنها مخالفة للدين الإسلامي بإعتبار أن المغرب دولة إسلامية حسب الفصل الثالث من دستور 2011، لكن مادام أن هناك ضريبة على المشروبات الكحولية فلابد من فرض هذه الضريبة، ثم ثانيا نجد أن العديد من الدول العربية الإسلامية تفرض الضريبة على الإرث كالجزائر ومصر… إلخ، وهكذا سيتم التوسيع من المداخيل الجبائية للدولة.
كما يجب أن ترتكز السياسة الجبائية ما بعد جائحة كورونا على الأهداف والنتائج والتخطيط الإستراتيجي، وأن نجتنب السياسة الجبائية الظرفية التي تكون في أوقات الأزمات بل لابد من تبني تصور متوسط وبعيد المدى وأن يكون هذا التصور واقعي أكثر فأكثر.
لاحظنا في المحور الأول أن ميثاق الاستثمار 18.95 جاء لتصحيح الثغرات التي وقعت فيها قوانين الإستثمار، بإعطاءه التحفيزات والتشجيعات لجميع القطاعات، هنا يجب إعادة النظر في التحفيزات وأن تعطى للقطاعات الأكثر أولوية للمقاولات التي تستحق التحفيز والتي لن يؤثر تحفيزها على الخزينة العامة للدولة بل سيدر دخلا مهما، كما يجب أيضا إعادة النظر حتى في الإستثمارات بمعنى أوضح التركيز على تحفيز وتشجيع الإستثمارات التي ستحرك عجلة التنمية.
ونقترح أيضا إعادة النظر في مسطرة المراقبة المحاسبية بحذف المقاربة المبنية على الإشعار المسبق والتبليغ للملزم بأداء الضريبة، بحيث ينبغي أن تكون المراقبة بشكل فجائي حتى لا يترك المجال للملزم بأداء الضريبة بالتلاعب من خلال التملص والغش الضريبي، أو الإبقاء على عنصر الإشعار المسبق لكن مع التقليص من كثرة الآجالات.
وأخيرا ينبغي أن يتم محاربة الغش الضريبي لإقرار التوازنات المالية، نظرا لأن آفة الغش الضريبي لها إنعكاسات وخيمة من ناحية العجز في الميزانية واللجوء إلى المديونية،نلاحظ أن المدونة العامة للضرائب حاربت الغش الضريبي من خلال مادتها 192 بغرامة مالية تتراوح ما بين خمسة آلاف درهم و خمسون ألف درهم، وفي حالة العود، تنضاف إلى الغرامة المالية عقوبة حبسية من شهر إلى ثلاثة أشهر، لكن في حالة إرتكاب المخالفة قبل مضي خمس سنوات على صدور الحكم بالغرامة وأن يكون هذا الحكم مكتسب قوة الشيئ المقضي به،نلاحظ أن المشرع المغربي رغم محاولته محاربة الغش الضريبي لكن الغرامة والعقوبة الحبسية المقرونة بشروط لن تكفي لمحاربة هذا الغش، أولا ينبغي على المشرع المغربي أن يتعامل بعقوبة الجنحة أو الجناية بمعنى تبني نظام زجري، لأن المواطن حينما يرى أن الغش الضريبي مجرد مخالفة فلن يتم ردعه لكن في حالة الرفع من الغرامة المالية والتعامل مع الغش الضريبي على أساس جنحة أو جناية سيساهم بكل تأكيد من تقليص هذه الظاهرة المنتشرة بكثرة.
خلاصة:
إن إعادة النظر في السياسة الجبائية ستساهم في التوسيع من المداخيل الجبائية للدولة والتقليل من اللجوء إلى المديونية الخارجية، كما ستساهم أيضا في مواجهة الظروف الطارئة والإستثنائية والفجائية، كما أنها ستلعب دورا مهما في إقرار نظام جبائي أكثر عدالة، مما سينعكس إيجابا على المجالات الإقتصادية والإجتماعية.
الهوامش:
1-ظهير شريف 1-11-91 الصادر بتنفيذ دستور 2011،بتاريخ 29 يوليوز 2011،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر،بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة: 3600.
2-الدكتور حميد النهري بن محمد، « النظرية العامة للضریبة والسياسة الجبائية في المغرب »، مطبعة سليكي أخوين – طنجة،الطبعة الأولى-ماي 2016،الصفحة: 20.
3-ظهير شريف رقم 1.95.213 صادر في 8 نوفمبر 1995
بتنفيذ القانون الإطار رقم 18.95 بمثابة ميثاق للاستثمارات،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 4335 بتاريخ 29 نونبر 1995، الصفحة: 3030.
4-الدكتور حميد النهري بن محمد، مرجع سابق، الصفحة: 295.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *