بعد أشهر من الشد والجذب، كشفت وثيقة يتوفر عليهما موقع “هاشتاغ” أن وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، أشر بتاريخ 8 نونبر 2024، على صفقة ضخمة بقيمة 180 مليون و499 ألف و651 درهم (أي ما يعادل حوالي 18 مليار سنتيم) لصالح تحالف تقوده شركة Mediot Technology التي يديرها محمد بنعودة، بعدما تم استبعاد تحالف Morocco Healthcare Supplier، الذي يقوده الأمير مولاي عبد الله العلوي، ابن عم الملك محمد السادس. الصفقة التي تهدف إلى إنشاء نظام صحي ذكي لتمكين تدبير الملف الطبي الوطني الموحد، قوبلت بانتقادات واسعة، لاسيما بعد أن تم إقصاء تحالف الأمير الذي يضم شركات دولية ذات كفاءة وعلاقات وثيقة في مجال التكنولوجيا الصحية، ليبقى تحالف بنعودة هو الفائز الوحيد في الصفقة التي مرت بعدة محطات من الإلغاء والتأجيل.
وكشف مصدر مسؤول لموقع “هاشتاغ” أن الصفقة التي أعيد طرحها للمرة الثالثة في 18 مارس 2024، بعد أن ألغيت في 12 أكتوبر 2023 بسبب “أسباب إجرائية”، تم توسيع نطاقها لتشمل 50 مليون مريض بدلاً من 10 ملايين، مع الحفاظ على الميزانية المقررة عند حوالي 189.9 مليون درهم. ورغم هذه التعديلات، عُرفت الصفقة بطابعها الدولي وإدراج شروط جديدة تتعلق بحماية البيانات الصحية وإدارة الهوية الإلكترونية. إلا أن الغموض ظل يكتنف تفاصيل التقييم والمنافسة على هذه الصفقة الضخمة.
في 18 شتنبر 2024، يضيف مصدر موقع “هاشتاغ” تم فتح الأظرفة الخاصة بالعروض من جديد، حيث تقدمت شركتان للمنافسة: الأولى، تحالف الشركة المغربية Mediot Technology، الذي يضم شركات Nextronic وStella Technology الأمريكية وSivsa Soluciones Informaticas الإسبانية، والثانية تحالف Morocco Healthcare Supplier، الذي يضم Medhealth Maroc وDedalus France SA. لكن، في قرار مفاجئ، تم استبعاد تحالف الأمير بسبب ما اعتُبر “خلل في الملفات الإدارية”، ليبقى تحالف بنعودة هو الفائز الوحيد بعرض قيمته 180,499,651.20 درهم، أي 18 مليار سنتيم شاملًا الضرائب.
تاريخ 8 نونبر 2024 شهد التأشير على العقد النهائي، بعد إنهاء أعمال اللجنة التي فحصت العروض. ووفقًا للوثيقة التي يتوفر عليها موقع “هاشتاغ”، تم تصنيف عرض تحالف Mediot Technology كـ “أفضل عرض مالي”، ليحسم بذلك الجدل حول هذه الصفقة التي كانت محل شد وجذب على مدار أشهر عدة.
لكن ما يثير الاستفهام حسب نفس المصدر هو الطريقة التي تم بها استبعاد تحالف Morocco Healthcare Supplier، الذي يملك خلفية قوية من حيث الخبرة والشراكات الدولية، وفي مقدمتها شركتي Medhealth Maroc وDedalus France SA، اللتين لهما حضور بارز في قطاع الصحة في المغرب وفي عدة دول أخرى. من جهة أخرى، يُعتبر تحالف Mediot Technology، الذي يديره محمد بنعودة، شركة لها ارتباطات سابقة مع وزارة الصحة، حيث سبق لها أن شاركت في عدة مشاريع مع الوزارة، من أبرزها الاتفاقية الخاصة بإطلاق الوحدات الصحية المتنقلة بالتعاون مع مؤسسة محمد الخامس للتضامن، فضلاً عن مساهمتها البارزة في حملة التلقيح ضد كوفيد-19. وظهور اسم محمد بنعودة في هذه الصفقة يعيد تسليط الضوء على شبكات العلاقات المشبوهة التي تحيط ببعض المسؤولين، خصوصًا وأن التحالف الذي يقوده بنعودة لا يقتصر على الشركة المحلية فقط، بل يشمل أيضًا شركاء دوليين يتنقلون بين العديد من الصفقات الحكومية.
في قلب الجدل الذي يحيط بهذه الصفقة، يبرز سؤال أساسي حول دور اللوبيات في قطاع الصحة في المغرب، إذ لا يمكن النظر إلى هذه الصفقة في سياقها البسيط بعيدًا عن التأثيرات المحتملة التي تمارسها بعض الأطراف على القرار الإداري.
اللوبيات في قطاع الصحة، وهي مجموعات من الشركات والمصالح المتشابكة التي تسعى للتأثير في سياسات القطاع الصحي لمصلحة قوى معينة، تمثل عنصرًا مؤثرًا في تحديد من يحصل على الصفقات والمشاريع الكبرى. في ظل هذا الواقع، لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي تلعبه بعض الأسماء والشركات في تشكيل ملامح النظام الصحي، بما في ذلك في اتخاذ القرارات بشأن الشراكات الدولية أو اختيار شركات معينة لتنفيذ المشاريع الحيوية.
وتُعتبر شركة Mediot Technology، التي يديرها محمد بنعودة، واحدة من الشركات التي ارتبطت بهكذا علاقات مع بعض كبار المسؤولين، خاصة في المشاريع التي تتعلق بالرقمنة والتكنولوجيا في المجال الصحي. إذ يبدو أن شبكة من العلاقات التي تجمع بين هذه الشركات وبعض الشخصيات قد ساعدت في وصولها إلى صفقة النظام الصحي الذكي، رغم المنافسة القوية لشركات أخرى مثل تحالف Morocco Healthcare Supplier.
وتثير هذه العلاقات أسئلة حول مدى نزاهة وشفافية هذه الصفقات، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن اللوبيات الصحية التي تضم شركات عملاقة تتقاطع مصالحها مع مصالح بعض الجهات أحيانًا، مما يجعل من الصعب الجزم بأن كل القرارات تُتخذ بناءً على معايير منطقية ومهنية بحتة.