“إخلاء المقابر”… عملية سرية رافقت خروج الإسبان من الصحراء المغربية سنة 1975

هاشتاغ
شهدت الأيام الأخيرة من الوجود الإسباني في الصحراء عام 1975 واحدة من أكثر العمليات غرابة وإثارة للجدل في تاريخ الانسحاب: إخلاء المقابر ونقل رفات مئات الإسبان المدفونين في العيون والداخلة والكويرة إلى جزر الكناري، في عملية عسكرية عُرفت لاحقًا باسم “عملية السنونو”.

القصة يرويها اليوم، بعد خمسين عامًا، ضباط وجنود شاركوا في تلك المهمة غير المسبوقة، التي رافقت حالة الارتباك السياسي والعسكري التي عاشتها مدريد عقب انطلاق المسيرة الخضراء واستعادة المغرب سيادته على أقاليمه الجنوبية.

الضابط الإسباني مانويل لوبيث-أمادو، وكان حينها نقيبًا، فوجئ في نهاية 1975 بأوامر مستعجلة للانتقال إلى الكويرة على متن البارجة “بلاس دي ليزو”. فتح الظرف الممهور بـ”سري للغاية” في عرض البحر، ليُبلَّغ ببدء “عملية السنونو”: إجلاء المدنيين والعسكريين الإسبان مع ممتلكاتهم قبل اكتمال الانسحاب.

عند وصوله إلى الكويرة، بدأ الجيش نقل السكان، قبل أن يظهر سببٌ غير متوقَّع لتوقف العملية: “لن نغادر… لدينا أهلٌ مدفونون هنا”، هكذا ردّ المدنيون الإسبان.

نُقلت الرسالة إلى مدريد، فجاء الرد الصادم: “أخلِ المقبرة”.

خلال يوم ونصف فقط، وبدون معدات مخصّصة، بدأ الجنود نبش القبور وتجميع الرفات، ثم إغلاق الصناديق بشريط لاصق جرى الحصول عليه من صيدليات محلية. لاحقًا اعتبرت المصالح الصحية أنّ نقل الرفات عبر البحر دون تبريد كافٍ يشكّل خطرًا صحيًا.

وبحسب وثائق رسمية رفعت عنها السرية، جرى نقل 703 جثث: 403 من العيون 281 من الداخلة (فيلا سيسنيروس) 19 من الكويرة. ونصف هذه الرفات تقريبًا نُقلت إلى أهالي أصحابها في إسبانيا، بينما وصل الباقي إلى مقبرة سان لاثارو في لاس بالماس.

الجندي السابق بيبي تابوادا، الذي كان مكلّفًا بنبش المقبرة المسيحية في العيون، يصف المشاهد بـ”الرهيبة”. وروى أن فريقه ضمّ عناصر من “فصيلة العقاب” بالجيش الإسباني، وأن ظروف العملية جعلتها أقرب إلى “كابوس”.

يقول تابوادا: “لم يريدوا ترك حتى جثث الموتى… كانت هناك مخاوف من أن تُنبش المقابر لاحقًا. لكن الحقيقة أن المغرب يحتفظ بمقابر مسيحية ولم يقترب منها أحد، وكان يمكن التفاوض حول هذا”.

وتشير الشهادات إلى أنّ بين 10 آلاف و15 ألف مدني نُقلوا على عجل إلى ميناء لاس بالماس، إضافة إلى نحو 1000 مركبة و300 طن من الأمتعة.
وتسبّب وصول هذا العدد الضخم في ضغط اجتماعي واقتصادي على المدينة، التي كانت تعاني أصلًا من أزمة سكن وتشغيل.

حتى مسألة دفن الرفات أصبحت معضلة، قبل أن يُخصَّص جزء كبير من مقبرة سان لاثارو لاستقبال الجثامين القادمة من الصحراء.

الضابط لوبيث-أمادو يقول إنه أنزل آخر علم إسباني في الكويرة، ثم في العيون مع مغادرة آخر الجنود. ويؤكد: “قمنا بواجبنا… لكن ترك ذاك الإقليم كان مؤلمًا”.

أما تابوادا فيصف العملية بـ”الكارثة” مؤكدًا أنّ الجنود اعتقدوا أنهم ذاهبون للدفاع عن السكان، قبل أن يتضح أن القرار في مدريد كان ترتيب الانسحاب الكامل عبر عملية سرّية.