خ.ب
بتمديده لنفسه على رأس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لولاية رابعة يكون إدريس لشكر قد وجّه ضربة قاصمة لما تبقّى من مصداقية في المشهد الحزبي المغربي، ووجه رسالة صادمة إلى الشباب والمجتمع مفادها أن السياسة في المغرب لا تعرف التداول وأن الزعامة الحزبية يمكن أن تتحول إلى ملكية شخصية مغلّفة بخطاب “الشرعية التنظيمية”.
لقد أمضت الدولة سنوات طويلة في محاولة تخليق الحياة السياسية وتشجيع النخب الجديدة على الانخراط في العمل الحزبي لكن ما فعله إدريس لشكر في مؤتمر بوزنيقة أعاد عقارب الساعة إلى الوراء، وأثبت أن الإصلاحات المؤسساتية لا تساوي شيئاً أمام عقلية التوريث السياسي داخل الأحزاب.
كان الاتحاد الاشتراكي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي وحتى قبل وصول لشكر لقيادة الحزب مدرسة للنضال الديمقراطي، صوتا للشعب، ورمزاً للمقاومة ضد الاستبداد.
أما اليوم فقد تحول إلى حزب بلا روح بلا تداول وبلا نقد ذاتي حيث تصنع القرارات في صالون الزعيم وتزكى باسم الانضباط الحزبي وكأننا أمام مجلس مبايعة لا أمام مؤتمر ديمقراطي.
إن ما وقع في بوزنيقة سابقة خطيرة في تاريخ الحزب ليس لأنها فقط تمديد لشخص على رأس التنظيم، بل لأنها إعلان صريح عن موت الديمقراطية الداخلية وعن تحويل الحزب إلى ضيعة سياسية خاص تدار بالمزاج لا بالمؤسسات.
يدعي إدريس لشكر أن بقاءه “ضرورة للاستمرارية”، لكن الحقيقة أن هذه الاستمرارية لا تعني سوى إدامة الركود وشرعنة التحكم ودفن الحياة الحزبية تحت ركام الشعارات الفارغة.
فالزعيم الذي أمضى اثنتي عشرة سنة في القيادة لم يقدم نموذجا يُحتذى، بل أفرغ الحزب من كفاءاته وهمش رموزه وحوله إلى ماكينة انتخابية تبحث عن المقاعد لا عن المعنى.
سيسجل التاريخ أن إدريس لشكر مدد لحزبه حتى الاختناق ومدد لنفسه حتى العزلة وأن مؤتمر بوزنيقة لم يكن سوى مسرحية حزبية بديكور ديمقراطي، عنوانها الحقيقي الولاء والتملك قبل التجديد والانفتاح.
لقد خسر الاتحاد الاشتراكي معركته الأخلاقية وخسر المجتمع آخر أوهامه في الأحزاب التي كانت يوما منارات فكرية.
أما إدريس لشكر فقد كسب ولاية جديدة وخسر الوطن دفعة جديدة من الأمل.