بقلم: عبد القادر حبيب الله
في مشهد يعكس التخبط السياسي وغياب الرؤية الواضحة، أطلّ يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يوم الاثنين 06 يناير الجاري، في لجنة التعليم والشؤون الاجتماعية والثقافية بمجلس المستشارين للدفاع عن مشروع قانون الإضراب المثير للجدل.
جلسة كان من المفترض أن تشكّل محطة لإعادة بناء الثقة بين الحكومة والنقابات، لكنها انتهت إلى تكريس صورة حكومة عاجزة عن إدارة الحوار الاجتماعي، حيث تحولت مكالمة هاتفية أجراها السكوري برئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى عنوان بارز لارتباك حكومي يُعمّق أزمة الثقة في المؤسسات.
فوزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات يُفترض فيه أن يكون مؤهلاً لاتخاذ القرارات عبر النقاش المؤسساتي عوض البحث مع رئيس الحكومة للحصول على “موافقة هاتفية” بشأن فتح فترة جديدة للمفاوضة مع النقابات، مما يكشف عن خلل بنيوي في إدارة الملفات الكبرى، حيث أن مثل هذا التصرف لا يليق بوزير في حكومة تدّعي أنها تسير بمغرب القرن الواحد والعشرين، بل يعيد إلى الأذهان أساليب الارتجال السياسي التي تُدار بها الأمور في لحظات الأزمات.
الاتصال الهاتفي مع رئيس الحكومة الذي كشف عنه يونس السكوري خلال اجتماع لجنة التعليم والشؤون الاجتماعية والثقافية بمجلس المستشاري، يطرح تساؤلات جدية حول استقلالية القرار الحكومي ومصداقية المؤسسات، إذ كيف يُمكن لحكومة أن تُسوّق نفسها كشريك موثوق في الحوار الاجتماعي، بينما تُدار قراراتها عبر اتصالات هاتفية؟ فهل نحن أمام حكومة تُحترم فيها أدوار المؤسسات والوزراء، أم أمام هيكل حكومي يُملي فيه رأس الحكومة القرارات بشكل فردي؟
إن مشروع قانون الإضراب الذي أثار هذه العاصفة النقابية والسياسية ليس مجرد نص قانوني، بل هو امتحان حقيقي لنوايا الحكومة في تعزيز الحريات أو تقييدها، حيث أن محاولة تمريره دون توافق مع النقابات سيكون خطأ استراتيجيًا يُظهر أن الحكومة لا تزال تنظر إلى الحوار الاجتماعي كإجراء شكلي يمكن تجاوزه لتحقيق أجندتها، وهو النهج الذي لا يؤدي سوى إلى تعميق الشرخ بين الحكومة والتنظيمات النقابية، ويُعرّض السلم الاجتماعي لخطر لا يُستهان به.
كما أن الوزير السكوري، الذي حاول إضفاء طابع التوافق على الموقف، بدا وكأنه يطلب وقتًا مستقطعًا لامتصاص الغضب أكثر من كونه ملتزمًا بإصلاح المشروع عبر الحوار الحقيقي، حيث أن عباراته المنمقة عن “التوافق” و”حرص الحكومة على حقوق الجميع” لم تُقنع أحدًا، لأن الأفعال كانت تتحدث بلغة مختلفة تمامًا. كيف يمكن لحكومة أن تدّعي التوافق وهي التي تجاهلت أصوات النقابات والشركاء الاجتماعيين في صياغة هذا القانون منذ البداية؟
إن مكالمة السكوري الهاتفية بأخنوش لم تكن سوى دليل إضافي على ضعف المؤسساتية داخل الحكومة، باعتبار أن مثل هذه التصرفات تُرسل إشارات خطيرة إلى الطبقة الشغيلة، مفادها أن القرارات تُدار بعشوائية وأن المؤسسات التمثيلية ليست سوى واجهة لتجميل صورة حكومة عاجزة عن إحداث تغيير حقيقي.
وفي ظل هذا المشهد المرتبك، يتساءل أفراد الطبقة الشغيلة: هل تسعى الحكومة فعلًا إلى بناء شراكة حقيقية مع النقابات أم أنها تمارس لعبة سياسية هدفها كسب الوقت وفرض الأمر الواقع؟ يبدو أن الخيار الثاني هو الأقرب للواقع، في ظل استمرار الحكومة في استخدام أسلوب المناورة بدل المواجهة الصريحة للأزمات، وذلك باعتبار أن مشروع قانون الإضراب، في صيغته الحالية، ليس سوى محاولة لإفراغ الحق في الإضراب من مضمونه وتحويله إلى أداة تُدار بقوانين تُحاصر العمل النقابي وتُضعف الطبقة العاملة. هذا المشروع، الذي يُقدّم على أنه خطوة تنظيمية، يكشف عن رؤية حكومية تضع مصالح رأس المال فوق حقوق العمال، وهو أمر لا يمكن القبول به في مغرب يُفترض أنه يسير نحو تعزيز الحريات والعدالة الاجتماعية.
النقابات لن تقبل أن تكون شاهدة صامتة على تمرير قوانين تمس بمكتسباتهم التاريخية. الكرة الآن في ملعب الحكومة لتُثبت صدق نواياها، عبر سحب المشروع وبدء حوار اجتماعي حقيقي، وليس عبر مسرحيات سياسية تُدار بالهاتف أو خلف الكواليس، حيث إذا أرادت الحكومة استعادة الثقة المفقودة، فعليها أن تدرك أن مغرب اليوم يحتاج إلى قرارات جريئة قائمة على التوافق، وليس إلى خطوات مرتجلة تعيد إنتاج الأزمات بدل حلها.