هاشتاغ _ بقلم: عبد الرحيم حداش
لم يكن محضر الاتفاق الموقع بين وزارة الصحة والنقابات يوم 21 مارس 2025 سوى إعادة إخراج بلاغ قديم بلغة جديدة، وذلك باعتبار أنه اتفاق لم يحمل أي إضافات ملموسة تُذكر، ولا أي تحول نوعي في الاستجابة لمطالب مهنيي الصحة. إنه إعادة تدوير لاتفاق 23 يوليوز 2024، الذي وُقّع في عهد الوزير السابق خالد آيت الطالب، وكان ثمرة حوار جاد ومسؤول، أُنجز حينها بإرادة سياسية واضحة.
وما يثير الاستغراب أكثر، أن الوزير الحالي أمين التهراوي اختار التواري خلف مدير الموارد البشرية عادل زنيبر، رافضاً التوقيع بنفسه على محضر يحمل اسمه واسم وزارته، في سلوك يطرح أكثر من علامة استفهام حول قدرته أو حتى رغبته في تحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية تجاه الشغيلة الصحية.
والأكثر إثارة هو أن الوزارة حاولت عبر مقالات صحفية مكتوبة وبعض المنابر الإعلامية الموجَّهة، التسويق للاتفاق على أنه إنجاز جديد يُحسب للوزير الحالي، بينما هو في جوهره نسخة مكررة من الاتفاق السابق، نُسخت بنوده وأُعيدت صياغتها بعناية لغوية فقط لتبدو وكأنها مستجدات، في محاولة مكشوفة لركوب الموجة والظهور بمظهر المُصلح المُبادر.
ولكن مهنيي الصحة، والفاعلين المتابعين للملف، ليسوا بهذا القدر من السذاجة، حيث أن كل ما ورد في المحضر الأخير – من زيادات في التعويضات، وإدماج بعض الفئات، وتحسين شروط الترقي – تم الاتفاق عليه سابقاً، وتضمّنته مضامين اتفاق يوليوز 2024 بالحرف، وهو ما يجعل من محضر مارس إعادة إنتاج لقرارات قديمة لم تُنفذ بعد.
هذا السلوك يكشف بالملموس أن وزارة الصحة في شخص أمين التهراوي، وبتوجيه مباشر من رئيس الحكومة عزيز أخنوش، تعاني من عجز في الإبداع السياسي وغياب الجرأة في اتخاذ القرار. فعوض تقديم مقاربة جديدة أو الشروع في التنفيذ، اختارت الوزارة اللعب على واجهة الإعلام وصياغة مقالات للاستهلاك السياسي، محاولة تضليل الرأي العام بترويج “إنجاز” لا وجود له في الواقع.
والأدهى من ذلك، أن الوزير أمين لم يملك حتى الشجاعة لتوقيع الاتفاق بنفسه، مكتفياً بإرسال مدير الموارد البشرية إلى الطاولة، في مشهد أقرب إلى تصريف الأعمال منه إلى ممارسة سلطة مسؤولة.
غير أن المسؤولية لا تقع على الوزارة وحدها، بل إن النقابات الصحية الموقّعة بدورها شاركت في هذه المسرحية السياسية بكل هدوء ورضى، رغم معرفتها الدقيقة بأن مضمون المحضر لا يحمل جديداً، حيث أن صمتها عن هذه المناورة وترويجها للاتفاق على أنه مكسب جديد، يثير كثيراً من علامات الاستفهام حول نواياها الحقيقية، ويدفعنا للتساؤل هل في الأمر تواطؤ ناعم؟ أم أن هناك شيئاً ما في نفس يعقوب؟
إن الشغيلة الصحية لا تنتظر إعادة تدوير الالتزامات ولا بلاغات استهلاكية. هي بحاجة إلى قرارات تنفيذية حقيقية، موقعة بجرأة ومسؤولة بشرف، بعيداً عن الحسابات السياسوية الضيقة، سواء داخل الوزارة أو داخل النقابات.
فحين تُفتح دفاتر المحاسبة السياسية، لن يُعفى أحد.. لا وزير رفض التوقيع، ولا حكومة أعادت نفس الخطاب، ولا نقابات اختارت أن تساير الوضع بصمت، في وقت كان ينتظر فيه الجميع كلمة حقّ تُنصف من هم في قلب المنظومة الصحية، لا في هوامشها.