اعتقد ان الثلاث اسابيع الإضافية من الحجر الصحي التي أقرتها الحكومة كانت من أجل تفادي تنقل ملايين المغاربة مع عيد الفطر المبارك بما يعنيه من إمكانية انتشار رقعة الوباء جغرافيا، خاصة بالمدن الصغرى و القرى و عدم القدرة على استجابة المنظومة الصحية لهذا الانتشار..
و هي أيضا فرصة أعطتها لنفسها، دون أن تفصح عن ذلك طبعا، من أجل وضع و تدقيق سيناريو الخروج من الحجر.. رئيس الحكومة أكد أن هناك قطاعات أعدت تصوراتها و أخرى قيد الدراسة، و سيتم تجميع هذه التصورات في خطة واحدة من أجل تجاوز هذه المرحلة بأقل الأضرار..
الأكيد اليوم اننا مضطرون للتعايش مع هذا الوباء و لمدة ليست بالقصيرة، و لن يكون من سلاح لدينا في انتظار إيجاد عقار فاعل أو تلقيح إلا الالتزام بالتباعد الجسدي و ليس الاجتماعي كما يقال، و ارتداء الكمامات و التنظيف المستمر للأيدي و تعقيم فضاءات العمل.. إضافة إلى تشديد المراقبة على أماكن التجمعات، و خاصة بالمقاولات و الشركات الإنتاجية و التجارية التي أصبحت البؤر الاكثر تصديرا للوباء ببلدنا..
إن المتتبع لتطور الوباء ببلدنا سيستنتج لا محالة أن الاحياء الشعبية و الطبقات الساكنة فيها كانت مظلومة في كل التحليلات التي واكبت المرض منذ بدء انتشاره، بحيث أن أغلب الإصابات جاءت بداية من المواطنين العائدين من الخارج، ثم أصبحت تخرج من الشركات الكبرى التي لم تتخذ الإجراءات اللازمة لكشف و محاصرة المرض عند ظهوره لدى عمالها..
التشديد يجب أن يتم حول هذه البؤر المحتملة التي عليها أن تتخذ كافة الوسائل لحماية عمالها و حماية المجتمع..
لا يمكن الاستمرار في إغلاق محلات حرفية و تجارية صغرى و معاشية تساهم في دورة الاقتصاد و تكفي فئات كبيرة من المجتمع قوت يومها، و سهل تنظيم الولوج إليها في احترام للشروط الاحترازية، و يستمر العمل في شركات و مقاولات تشغل المئات و تخلق بؤرا وبائية كبيرة في كل حين..
ثم تأكد الآن خلو مدن و اقاليم بل و جهات كاملة من هذا الوباء، لم يعد هناك أي داع لتركها تواجه الانكماش الاقتصادي و هي التي يجب فتح أو رفع الحجر عنها مع تشديد المراقبة على مداخلها و الاستمرار في منع التنقل بين المدن و الجهات المتأثرة اكثر بالوباء.. هذه المناطق هي التي يجب أن تكون في واجهة المعركة للتخفيف من حدة الأزمة الحالية.. و دعوة وزير المالية المقاولات إلى إعادة فتح أبوابها بعد العيد بادرة محمودة، شريطة أن تعني جميع المقاولات حتى الصغيرة و الصغيرة جدا.. بما في ذلك المقاهي و المطاعم و الحلاقين و تجار الملابس ووو …، مع إصدار دليل موحد للإجراءات الاحترازية الواجب اتخاذها في كل قطاع، تحت طائلة الغلق القانوني في حالة المخالفة..
اكيد اننا، و بالمنحى الذي نلاحظه لتطور الوباء ببلدنا، سنخرج من هذه المحنة بأقل الأضرار الصحية و بمكتسبات كبيرة لمنظومتنا الصحية.. و تبقى الوضعية الاقتصادية هي المعادلة الأصعب للحل، حيث يجب علينا جميعا، على الأمد القصير و المتوسط، الابتعاد عن الحلول الكسولة و إبداع تصورات جديدة بإمكانها إعادة تموقع المغرب على خارطة عالم ما بعد كورونا.. عالم بدأ يعرف منذ الآن استقطابات جديدة و توجهات مختلفة عن تلك التي حكمت تعاملاته قبل الجائحة.. وعلى الأمد الطويل وضع إستراتيجية للاستثمار في الإنسان خاصة تعليمه و تربيته و صحته.. الجائحة أثبتت أن انضباط المواطن و وعيه مرتبط بحجم الاستثمار في بيئته و تعليمه و تربيته..
ثم فتح المجال للعقول النيرة المغربية التي أثبتت انها يمكن أن تنافس اكبر الأمم إذا وضعت لها الإمكانيات و الإطار الفعال من أجل تطوير البحث العلمي ..
علينا أن نزيد من انفتاح اقتصادنا و ثقافتنا على أمم و تكتلات جهوية و دولية أخرى إضافة إلى توجهاتها التقليدية باوربا و الخليج، فإفريقيا هي مستقبل العالم، و آسيا و روسيا سنربح معهم الكثير لو بذلنا مجهودا إضافيا..
الوباء فرض علينا مواجهته و التعايش معه، علينا أن نجعله سببا لتطوير أداءنا و منظومات و وسائل اتخاذ قراراتنا، نحن الآن في صراع مع الزمن و كل تأخير في حسم القرار يكلف غاليا..