الدينامية التواصلية في عصر كورونا، مكسب حقيقي أم موضة ظرفية..

احمد الحريري

من حسنات الكورونا و حجرها الذين صادفا الشهر الفضيل، تعدد النقاشات و الندوات و « الويبينيرات » المنظمة في جل مناطق المغرب عبر وسائط التواصل الاجتماعي عن بعد..

هذه الدينامية التواصلية و النقاشات المفتوحة التي أطلقت شهية التحليل و التفكير في مختلف جوانب حياتنا، تميزت بانفتاحها على مختلف المشارب الفكرية و السياسية و الاجتماعية، كما تميزت بقدرتها على النفاذ و الوصول لكل شرائح المجتمع متجاوزة العائق الجغرافي و ربما النخبوي الذي كانت تقع فيه لقاءاتنا و ندواتنا سابقا..

مع المكوث الإجباري في البيوت، أصبح جمهور المتتبعين نهما للإصغاء و المشاركة في إعطاء رأيه مما يعتمل بالمجتمع من حوادث و أخبار و أحداث يومية.. إضافة إلى التعرف على تحاليل و اجتهادات خبراء من مختلف الميادين و التوجهات..

هذه اللقاءات المباشرة، إضافة إلى الضغط المتواصل عبر وسائط التواصل الاجتماعي خاصة الفيسبوك، ساهمت بقوة في توقيف قانون تكميم الافواه، وفي التعبئة الشعبية الناجحة للانضباط لتوجيهات المختصين و الدولة لوقف زحف الوباء، اضافة الى رفع حالة التضامن و التآزر بين مختلف الشرائح المجتمعية الى مستوى الظاهرة المغربية، دون نسيان دورها في القطع مع الاستغلال البشع لهذه المنصات في نشر التفاهة و الغباء الذي ساد و استأسد قبل هذه الأزمة..

قد يؤاخذ بعضنا على هذه الظاهرة كثرة المتدخلين والمواضيع و ربما بعض قلة الاختصاص لدى كثير ممن ساهموا في انتشارها،..
و لكن، لنتذكر أن لقاءاتنا الرمضانية كانت لا تحضرها سوى قلة قليلة، بضعة عشرات في احسن الاحوال، ممن يسكنون نفس المدينة التي ينظم بها النشاط و لهم اهتمام بنفس موضوع اللقاء..

ما عشناه مع اللقاءات عن بعد، خلال كورونا، هو دمقرطة للفضاء الثقافي و التواصلي لمختلف الهيئات و المنظمات، بل و للأشخاص الساهرين على تنظيمها..

أصبح بإمكان الآلاف في مختلف جهات البلاد الاستفادة من هذه اللقاءات و تتبعها، بل و حتى اختيار ما يوافق رغباتهم و حاجياتهم..
ظاهرة تنظيم لقاءات مباشرة عن بعد و مفتوحة لعموم المواطنين في مختلف مناطقهم هو مكسب وجب تشجيعه و العمل على تطويره و الاستفادة منه في التثقيف و التعبئة و تكريس الحق في التعبير و المعلومة و الثقافة للجميع..

اكيد أنه و بعد نهاية الجائحة، ستستعصي بعض العادات عن التجاوز، و سيعود الكثيرون إلى العملية التقليدية في تنظيم المواعيد الثقافية و السياسية بإمكانيات مادية تضيع هباءا بين القاعات و التغذية والشاي و التنقل و…

و لكن المعول على ديمقراطيي هذا البلد لتكريس هذه الديمقراطية في الحضور رقميا للقاءات متميزة و ذات حمولة جادة و هادفة..
أصبح بإمكان المثقف و السياسي و عالم الاجتماع و الرياضي والصحفي الوصول الى جمهوره بأسهل الطرق و دون الحاجة إلى رخصة من أي كان..

في كل الاحوال هذه الدينامية في صالح الوطن و المواطنين و حرية التعبير و المقاربة التشاركية في تدبير الأزمات و طرح الحلول و تعبئة الطاقات الإيجابية، و لن تكون على هوى من احتكروا المشهد السمعي البصري لعقود و استفادوا منه على كل المستويات..

لنكرس الإيجابي في هذه الأزمة و نواجه ماضينا الرقمي المليء بالتفاهة و النمطية عبر دمقرطة لقاءاتنا و فضاءاتنا الرقمية..
من أجل ثقافة وطنية، شعبية، ديمقراطية، حداثية و دامجة..

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *