احمد الحريري يكتب: في الحاجة الى حكومة قوية و منسجمة

الحكومة الفرنسية، بعد قيامها بواجبها في مواجهة الجائحة و فتح البلد و مساعدة المتضررين.. تستقيل، ليقينها أن المرحلة المقبلة تحتاج طينة أخرى من السياسيين و الكفاءات لمواجهة ما بعد كورونا.. و القضاء الفرنسي يحكم بخمس سنوات، اثنتان منها نافذة في حق رئيس الوزراء و المرشح السابق للرئاسة الفرنسية فرانسوا فيون، الوظيفه زوجته مساعدة برلمانية له..

بأمريكا و البرازيل يقدم الوزراء استقالاتهم أو يقالون كل شهر تقريبا..
في وطني، بعد استمتاعهم بعطلة طويلة مدفوعة الأجر لجل أعضاء الحكومة و فشل الكثير منهم في اقتراح و لو مشروعا واحدا للتخفيف من حدة الأزمة على المواطنين، يعودون بعد رفع الحجر لممارسة هوايتهم المفضلة في صراع الديكة و التقلاز السياسي لبعضهم و للمعارضة و معهم عموم الشعب.. و الاستمرار في الاستفادة من تعويضاتهم السمينة و مشاريعهم الخاصة و بالأخص مكاتب الدراسات و المحاماة و مقاولات البناء و التجهيز و الفلاحة..

في زمن كورونا، انفجرت فضائح كان سيكون لها وقع انفجار قنبلة انشطارية لو كنا في بلد يحترم فيه السياسيون مؤسساتها و شعبها و ديمقراطيتها، و قبل هذا و ذاك لو كانوا يحترمون أنفسهم…
فهذا وزير سابق و قيادي كبير في حزب مسؤول عن تسيير أكثر القطاعات تأثيرا في معيش المواطنين، نكتشف أنه مرر صفقة لتأسيس موقع بعشرة أضعاف ثمنه، و هو نفس المسؤول الذي سبق أن جرت بأخبار مشاكله مع الضرائب الولدان..

و هذا وزير مكلف، يا حسرة، بالدفاع عن حقوق الانسان و حمايتها، يهضم حق مواطنة في الحماية الاجتماعية و الرعاية الصحية لأكثر من عقدين، و لا يرف له جفن حين يجند المريدين، و منهم من يأخذ أجرته من المال العام للدفاع عنه و التغني بنزاهته و خيره و صدقاته التي من بها على المرحومة و كل من يشتغل معه، في ربط يخلق التماهي بين الصدقة و الأجر و الواجب… و هو من هو في محاربة الفساد و الاستبداد و الظلم و الحكرة، قولا و خطابة…

و وزير ثالث، يجري يسابق الزمن لتصحيح وضعية مستخدميه مع الصندوق المعلوم الذي يرأس مجلس ادارته، و هو المفروض فيه القصاص لكل مواطن لم يصرح به مشغله لدى الصندوق، على اعتبار أن الأمر لا يعني فقط الأجير المهضومة حقوقه، بل منظومة الرعاية الاجتماعية بمجملها، و التي تنهار بسبب كثير ممن يحذون حذو وزراءنا الاشاوس و لا يؤدون ما بذمتهم لمختلف صناديق الدولة التي تصرف منها على أجورهم و امتيازاتهم و سياراتهم و خدمهم و حشمهم، و مستشاري دواوينهم الذين لا شغل لهم سوى الدفاع عن أولياء نعمتهم و التغطية على فضائحهم..

هاته نماذج من وزراءنا و كبار مسؤولينا، الذين تولوا امورنا بتصويتنا و شهادتنا انهم ربما انقى ما في مشهدنا السياسي، و الحق يقال فهم من ابطال العالم في محاربة الفساد و الاستبداد بالشفوي و الخطابات الرنانة المنادية بالتغيير و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية.. و حتى نوفيهم حقهم، فهم فعلا طالبوا بالتغيير و قاموا به عند أول فرصة قدمت لهم، تغيير الزوجات و السيارات و البدل و الخليلات و وجهات السفر و … و الخطاب ايضا، فبعد خطابات التغيير الآن، اصبحت لازمة الإرث ثقيل، و محاربة الساحرات لا تجدي، و الاكراهات كبيرة جدا و لم نكن نعلم بحجمها قبل الجلوس على كراسينا الوثيرة…
إن نزلنا قليلا تحت، في سلم المسؤولية، نجد كبار المنتخبين و البرلمانيين و رؤساء الجهات و الاقاليم الذين كل همهم تقطار الشمع على خصومهم و الانتصار في معارك كلامية تنشر على الملأ و يتغنى بإسفافها مشتركو وسائط التواصل الاجتماعي، الذين اضيفت لهم على تفاهة روتيني اليومي، تفاهة اجتماعات سياسية لا تقل احتقارا للعقل المغربي..
فهذا رئيس مجلس إقليمية يقتني مقرا بمليار و يقترح تجهيزه بمآت الملايين في زمن الجائحة، و يكتري ممتلكات المجلس من إقامات فاخرة بمائتي درهم المسؤولين نافذين..
و هذا رئيس آخر يمرر صفقات التعقيم و محاربة الفيروس بمئات الملايين ايضا..

و آخرون يتصرفون ما يقع تحت ايديهم في ما لا ينفع و لا يدوم.. اللهم الرغبة في محاباة المعارف و المريدين و النافذين بصفقات سهلة الانجاز و يسيرة الثمن..
و آخرين و آخرين وووو..
و هذه مؤسسة تبني في زمن كورونا غطاء حديديا بشعا بالعاصمة، لا حاجة له، بالمليارات دون أن يعلم أحد لماذا و لا كيف أو متى أو من قرر المشروع و اقتنع به..

و في خضم معاركهم الدونكيشوطية، و التي لا يعلم سواهم اهدافها و تقنياتها، تضيع المصلحة العامة و توزع المشاريع على الاقرباء و الخلان و المريدين.. دون كبير تأثير على معيش المغاربة و بيئتهم..
إن المشهد السياسي اليوم، و نحن مقبلون على مرحلة صعبة على جميع الأصعدة تستلزم شحذ الهمم و عصر الأدمغة للجواب على مستلزمات المرحلة، اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا، و للحفاظ على بعض من منسوب الثقة الذي يبدو ان بعض مكونات الشعب المغربي استعاده في دولته و مؤسساته.. هذا المشهد بحاجة لرجة قوية و صدمة توقظه من سباته و لافعاليته، و تعيد القطار لسكته، فعالم السياسة و تدبير الشأن العام ليس حكرا على فئة دون أخرى و ليس مرتعا لتحقيق الغنى الفاحش و الاستفادة من ريع غير مستحق..
لقد بات ضروريا، بل و مصيريا، إعادة نظر شاملة في التشكيلة الحكومية الحالية، التي عبرت عن عدم انسجام عجيب و عدم قدرة على العمل الجماعي و المبدع في مواجهة الأزمات و المشاكل اليومية للمواطن، و ايضا لأن رأسها خارج الزمن السياسي لمغرب اليوم.. سواء باستقالة رئيس الحكومة الذي اتضح أنه لا يحكم شيئا، أو بتعديل موسع يعطي الفرصة للوزراء الحاليين ليكملوا حجرهم على راحتهم، و يعطي الفرصة لكفاءات جديدة تأتي بأفكار و قوة و حماس جديد يعطي بعض الأمل للمغاربة أن حكومتهم تعصر دماغها لتبدع حلولا في مستوى اللحظة، بعيدا عن حلول التقشف الكسولة التي أعلن عنها رئيس الحكومة في مشروع القانون التعديلي للمالية..

الحكومات ليست مقدسة و وزراؤنا و مسؤولونا ليسوا خطوطا حمراء، و حين يخطئون أخطاء فادحة تمس النزاهة الفكرية و السياسية لهم و لأحزابهم، فلا أقل من إقالتهم إن استطعموا امتيازاتهم و تعالوا عن مسؤولياتهم الأخلاقية و السياسية و وضعوا استقالاتهم..
ما ينتظرنا كبير و خطير و يهدد اللحمة الوطنية، و ليست كورونا سوى القشة التي ستقسم ظهر البعير و تغرق السفينة، إن لم نأخذ المبادرة في الوقت اللازم لتغيير ربان الحكومة و بحارتها..

الوقت ليس لترضية الخواطر، و لا لإعطاء مزيد من الوقت لفريق أثبت فشله و عدم انسجامه، بل و حتى عدم قدرته على العمل الجماعي..
ٱن الأوان لتغيير حكومي عميق، يأخذ بعين الاعتبار ما نحن مقدمون عليه و يحاسب الفريق الحالي على ما أنجزه و ما أهدره من فرص.. حتى يعرف المغاربة لمن يعطون ثقتهم في الاستحقاقات المقبلة و يفعلوا حقهم و واجبهم في المحاسبة السياسية لكل مسؤول على أرضية إنجازاته..

ما ينتظر المغاربة يهدد السلم الاجتماعي للبلد و ينذر بكوارث اقتصادية و اجتماعية ستكون لها عواقب سياسية وخيمة إن لم تتم الإجابة بفعالية و ذكاء على انتظارات شرائح واسعة من المجتمع، أثبتت الجائحة هشاشتها و فقرها و استعدادا للخروج للمطالبة بما تعتبره حقها..

إن لم تستمع الحكومة لنبض الشارع و تعطه الإجابة اللازمة لانتظاراته، فأفضل ما يقدمه لهذا الوطن هو انسحابها من المشهد و فتح المجال لمن يمكن أن يعمل في انسجام و بحماس لتفادي الأسوء..
المغرب و المغاربة يستحقون أفضل من هؤلاء المسؤولين، و المنهجية الديمقراطية إن لم تأت بمن هو أكفأ يجب إعادة النظر فيها، فلا مقدس في الوطن إلا ما اتفق المغاربة على قدسيته في دستورهم الذي توافقوا حوله..

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *