الجود باهية
في خضم أجواء امتحانات البكالوريا التي يفترض أن تسودها الطمأنينة والتركيز، تفاجأ الرأي العام التربوي والأسري بموجة من المقاطع والتصريحات التي تبثها بعض وسائل الإعلام، تستغل فيها تلاميذًا في لحظات ضعف نفسي وتوتر شديد. هذه الممارسات الإعلامية لم تكن محض صدفة عابرة، بل تعكس توجهًا ممنهجًا نحو الإثارة على حساب كرامة المتمدرسين ومصلحة المدرسة العمومية، وهو ما يمكن اعتباره جريمة أخلاقية وتربوية مكتملة الأركان.
من الناحية الأخلاقية، لا يمكن تبرير توجيه الكاميرات نحو تلميذ يعيش ضغوطًا نفسية هائلة قبيل أو بعد اجتياز امتحان مصيري. فاللحظة لا تحتمل مزاحًا أو تهكمًا، ولا يحق لأي وسيلة إعلامية أن تنزع عن الطفل ستر كرامته لتقدمه فرجة للجمهور بهدف “البوز” ورفع نسب المشاهدة. فالتلميذ في هذه الحالة ليس فاعلًا حرًّا قادرًا على التعبير الواعي، بل هو في موقع هشاشة يوجب الحماية لا الابتزاز الإعلامي.
وفق مقتضيات القانون الإطار 51.17، الذي يشير إلى المسؤولية المشتركة لمكونات المجتمع، وعلى رأسها الإعلام، في التنشئة الاجتماعية والتربوية، فإن ما تقوم به بعض المنابر يعد خروجًا صارخًا عن المهام التوعوية للإعلام. كما أن القانون المغربي، بموجب مدونة الصحافة والنشر، يجرّم استغلال القاصرين لأغراض تجارية أو دعائية دون موافقة أوليائهم. ما حدث يمثل انتهاكًا لهذه المبادئ، ويستوجب المتابعة من المجلس الوطني للصحافة ومؤسسات الرقابة.
ما أشارت إليه الرابطة الوطنية لجمعيات الآباء والأمهات لم يكن مبالغة، بل تحذير صادق من أثر هذه الانزلاقات على ثقة التلميذ في مدرسته ومجتمعه. فحين يُسخر جهد سنة دراسية كاملة في لقطة مسيئة أو تصريح هزيل يُجتزأ من سياقه، يفقد المتعلم إيمانه بعدالة التقييم ومكانته كمواطن له حقوق. وهذه النتيجة تضرب في العمق كل جهود الإصلاح التربوي المبذولة في السنوات الأخيرة.
الفرق بين إعلام الإثارة وإعلام المسؤولية ليس فقط في الشكل، بل في الجوهر. فالأول يبحث عن الصدمة والرواج السريع، ولو على حساب القيم، أما الثاني فيحترم اللحظة التربوية ويساند المدرسة في معركتها الوجودية. المطلوب اليوم ليس تكميم الأفواه أو فرض الرقابة، بل ترشيد العمل الصحفي وتقنين التغطية الإعلامية في الفضاءات التعليمية، وخاصة أثناء فترات الامتحانات، عبر مذكرة وزارية واضحة ومُلزمة.
في النهاية، لا يمكن السكوت عن هذه الممارسات، لأنها لا تسيء فقط إلى تلميذ أو أسرة، بل إلى صورة التعليم برمته. المطلوب من الجهات الوصية، وفي مقدمتها وزارة التربية الوطنية والمجلس الوطني للصحافة، تفعيل آليات المساءلة، ووضع ضوابط صارمة تضمن احترام حرمة المؤسسات التعليمية وكرامة التلاميذ، فالإعلام الذي لا يحترم الطفل ليس إعلامًا… بل شريك في انتهاك حقوقه.