استنفار انتخابي بعد خطاب العرش… ولفتيت يقود أكبر مشاورات سياسية منذ دستور 2011

دخلت الأحزاب المغربية مرحلة استنفار سياسي غير مسبوق، في أعقاب دعوة وزارة الداخلية إلى تقديم مقترحاتها بشأن تعديل القوانين الانتخابية، تنفيذًا للتوجيهات الملكية التي دعا فيها الملك محمد السادس، في خطاب العرش، إلى تنظيم الانتخابات في موعدها الدستوري، بما يعزز مسار الديمقراطية ويعيد الثقة إلى المؤسسات المنتخبة.

الاجتماع الذي ترأسه وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت مع قادة الأحزاب الممثلة في البرلمان، يوم السبت 2 غشت، دشّن رسميًا ورش المشاورات السياسية الكبرى، وفتح الباب أمام مرحلة دقيقة من الإصلاح التشريعي والتنظيمي استعدادًا لاستحقاقات 2026، في لحظة سياسية تتسم بتزايد الانتظارات وتراجع منسوب الثقة في العمل الحزبي.

وعلى خلاف ما جرى في الولايتين السابقتين، أوكلت المؤسسة الملكية قيادة المشاورات إلى وزارة الداخلية بدل رئاسة الحكومة، في خطوة تحمل دلالات قوية على رغبة الدولة في تحييد النقاش الانتخابي عن التجاذب السياسي، وضمان حياد إداري صارم يُحصن العملية من أي شبهة استغلال.

تفاعلاً مع هذا المستجد، سارعت الأحزاب إلى تفعيل آلياتها الداخلية، حيث وجه حزب الحركة الشعبية نداءً لأعضاء مجلسه الوطني من أجل تقديم مقترحاتهم قبل 20 غشت، فيما أعلن حزب العدالة والتنمية انخراطه الكامل في المشاورات، مشيرًا إلى أن أمينه العام عبد الإله بنكيران قدّم تصوره عبر كلمة مصورة أكد فيها أن اللحظة تمثل “فرصة لانطلاقة سياسية جديدة”، ودعا إلى تقليص عدد مكاتب التصويت لضمان الشفافية.

بنكيران، الذي اعتبر انتخابات 2021 “فاشلة”، كشف أن قيادة حزبه التقت ممثلي وزارة الداخلية، وتلقت منهم إشارات إيجابية بشأن وجود رغبة في تصحيح الاختلالات التي شابت الاستحقاقات الماضية. كما أعلن الحزب أنه بصدد إعداد مذكرة مقتضبة ومركزة، تتضمن مقترحات تقنية وقانونية لضبط المال السياسي، ومنع تدخل رجال السلطة، وحماية مصداقية الانتخابات.

وفي تصريح لافت عقب الاجتماع، وصف إدريس الأزمي الإدريسي، نائب الأمين العام للبيجيدي، مداخلة وزير الداخلية بـ”الواضحة والدقيقة”، مؤكدًا أن الوزارة أبدت انفتاحًا كبيرًا على مقترحات الأحزاب، والتزامًا صارمًا بضمان انتخابات نزيهة بإشراف القضاء، ومع التعامل بحزم مع أي تجاوزات تمس مصداقية العملية.

وقد تم خلال اللقاء طرح قضايا محورية مثل تحيين اللوائح الانتخابية، تخليق المسار السياسي، ضبط تمويل الأحزاب، تمكين النساء والشباب من الولوج إلى المجالس المنتخبة، وتحسين تغطية الإعلام العمومي للعملية الانتخابية.

ويجمع الفاعلون السياسيون على أن الورش الحالي يجب أن يُستثمر لترميم جسور الثقة المتصدعة بين المواطن والمؤسسات، وأن الهدف الأسمى لا يكمن فقط في النتائج، بل في إعادة الاعتبار لصندوق الاقتراع كأداة تعبير حر، وبناء صورة انتخابية نزيهة داخليًا وخارجيًا، تليق بمغرب يتهيأ لتنظيم تظاهرات كبرى، وعلى رأسها كأس العالم 2030.